logo
أيقونة الأمل
الجمعة 13/04/2018

صور ـ شبابيك ـ امل الرفاعي

“في بطنك مخرب فلسطيني” قال البوليس الاسرائيلي للناشطة اليهودية “آرنا مير” و هي في شهرها التاسع خلال تظاهرة احتجاجية عام ١٩٥٨، أي قبل عقدين ونيف من تأسيسها مسرح الحجر في مخيم جنين، ومبادرتها الى احتضان الاطفال للتخفيف من معاناتهم، لتبقى وفية لقناعاتها ورسالة زوجها المناضل الراحل صليبا خميس الكاتب والصحفي الفلسطيني وأحد قادة الحزب الشيوعي في الخمسينات والذي كان من الشخصيات التي بادرت لتأسيس لجنة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية واعلان الاضراب التاريخي في يوم الارض عام ١٩٧٦.

لم يدرك المحتل في حينها أن آرنا ستنجب جوليانو الذي سيحمل بارقة أمل إلى المخيم الذي يبخل عليه العالم بتلك البارقة، حيث يعيش الاطفال مكدسين منسيين في مواجهة همجية وعنصرية الاحتلال.

جوليانو مير خميس شهيد الحرية والكرامة الانسانية الذي شكل رافعة جديدة للابداع الفلسطيني، وصار شاهدا حيا على النضال السياسي للأطفال والشباب في جنين، باعلانه “كتائب مسرح الحرية” التي قاومت الاحتلال عبر الفن والمسرح والادب، معبرا بذلك عن ايمانه بأن الثقافة عنوان التحرر والعدالة الانسانية.

ولد جوليانو في الناصرة في ١٥ مايو ١٩٥٨، وكان في ولادته ما يشبه البشارة بظهور ممثل ومخرج وناشط سياسي اختار أن يقف الى جانب القضية الفلسطينية فكرا وهوية وممارسة.

قال في احدى المناسبات: حياتي عبارة عن انتفاضة ومن حياته ليست انتفاضة لن تكون هناك لغة مشتركة معه أنا أكرس حياتي من اجل التخلص من الصهيونية.

أدى جوليانو أدوارا كثيرة وأثبت جدارته في هوليود من خلال أفلام ومسلسلات سينمائية وتلفزيونية محلية وأجنبية بينها فيلمه الاول “فتاة الطبال الصغيرة” عام ١٩٨٤، وهو فيلم امريكي يتناول الصراع العربي الاسرائيلي. ولعب أدوارا في أفلام للمخرج عاموس غيتاي أبرزها “القدس برلين” عام ١٩٨٩، و “إستر” عام ١٩٨٦، و “يوم كيبور” عام ٢٠٠٠، و “عمل وتاهارا” عام ٢٠٠٤. كما رُشح لجائزة أفضل ممثل في العالم عام ٢٠٠٢.

ظهر في أفلام فلسطينية من بينها “الشهر التاسع” لعلي نصار و “عرس الجليل” لميشيل خليفة، لكن جنين بقيت المحطة والمنعطف الأهم في مسيرته الفنية والسياسية.

بعد اجتياح اسرائيل لمخيم جنين في العام ٢٠٠٣ اخرج فيلمه الوثائقي الأول “أولاد آرنا” إلى جانب دانيال دانيال، حيث مضى الى المخيم حاملا كاميرته ليقتفي أثر الأطفال الذين شاركوا في مسرح والدته. وتناول الفيلم قصة أبناء المخيم وعكس الواقع الفلسطيني بطريقة موثقة وواضحة، فحصل على العديد من الجوائز العالمية.

في أعقاب موجة الدعم الدولي التي تلقاها فيلمه أعاد عام ٢٠٠٦ تأسيس مسرح والدته الذي تعرض للدمار أثناء الاجتياح الاسرائيلي لمخيم جنين في العام ٢٠٠٢ تحت مسمى “مسرح الحرية”.

يُعد المسرح أهم المعالم الثقافية في المخيم، وهدف من خلاله إلى التغيير الاجتماعي وتطوير مهارات الشباب والأطفال وكسر الحواجز وتحرير العقول ونشر الابداع طامحا لأن يكون وسيلة ناجعة في معركة الفلسطينين ضد الاحتلال. وكان الى جانبه في هذا المشروع الناشط جوناثان ستانجاك، والفنان الإسرائيلي السويدي درور فايلر والقائد العسكري السابق لكتائب شهداء الأقصى في جنين زكريا الزبيدي.  

“جئت إلى مخيم جنين لأشارك أهله نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأمشي معهم على طريق الحرية والاستقلال، إن قوة المسرح تعادل قوة السلاح والبندقية في وجه الاحتلال”، هذه الكلمات تلخص جوليانو مير خميس المفكر والفنان اليساري المثقف  الذي أراد ان يقتفي اثر اولاد “آرنا” الذين ارتقو شهداء ليكون الشهيد الذي يدفع فاتورة الحرية والهويات المغلقة من دمه.

اغتيل أمام مسرح الحرية حيث أُطلق عليه النار من قبل ملثم أصابه بخمس رصاصات في صدره، نقل على أثرها الى المستشفى حيث أعلنت وفاته فور وصوله، ليترك وراءه ارثا انسانيا نضج كسنبلة

مشاركة