logo
تعداد ملتبس للفلسطينيين في لبنان
الثلاثاء 9/01/2018

بيروت – شبابيك – أشرف سهلي

بعد الإعلان رسميا عن التعداد السكاني لفلسطينيي لبنان، تعددت الرؤى والقراءات وردود الفعل التي قدمها باحثون وسياسيون فلسطينيون ولبنانيون حول الجدوى منه، غير أنها دعت في مجملها إلى تحسين الظروف المعيشية للاجئين الفلسطينيين.

أظهر التعداد الذي أجرته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بالتعاون مع جهازي الإحصاء الفلسطيني واللبناني، وأعلنت عنه في ديسمبر الماضي، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو 174422 شخصا، أي ما يعادل 55473 أسرة.

واستهدف التعداد للمرة الأولى 12 مخيما وأكثر من 156 تجمعا، وفقا للجنة الحوار، ما يجعله المسح الشامل الوحيد منذ لجوء الفلسطينيين إلى لبنان.

ومن بين اللاجئين ما نسبته 45.1% تقطن داخل المخيمات و54.9% خارجها. كما أحصي وجود 18601 لاجئا فلسطينيا مهجرا من سوريا إلى لبنان نتيجة الحرب السورية.

والواضح أن الأرقام المعلنة من لجنة الحوار، أقل من تلك الصادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” التي تقول إن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يبلغ نحو 400 ألف لاجئ، بالإضافة لـ31 ألف لاجئ فلسطيني سوري.

دعوات لمنح الحقوق..

رئيس لجنة الحوار الفلسطيني ـ اللبناني حسن منيمنة قال “ان قاعدة البيانات التي وفرها التعداد تمكن من إنجاز وإتاحة المعرفة لظروف هذه الفئة، وتسمح للباحثين، والمؤسسات، تنظيم برامج تخدم مصالحهم”.

وأشار منيمنة إلى “أهمية صياغة سياسات عامة لبنانية تجاه الفلسطينيين تتجاوز خلافات الماضي، وتستهدف ترجمة الفهم حول ما أقرته الكتل البرلمانية في ما يخص قضية اللاجئين الفلسطينيين”.

وأكد ضرورة “إعطاء الفلسطينيين في لبنان كل حقوقهم ضمن الأطر الميثاقية والقانونية”.

في حديثه عقب إعلان التعداد، قال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إن “لبنان لن يتخلى عن التزامه القومي والإنساني تجاه حق عودة الشعب الفلسطيني إلى دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس ولن يتهرب من واجباته التي يجب أن تكون واضحة وضوح الشمس”.

ونوه إلى عدم وجود “أي التباس أو نافذة يمكن أن تفتح، لا على التوطين ولا على أي إجراء يناقض حق العودة أو ينزع عن اللاجئين هويتهم الفلسطينية”. داعيا في الوقت عينه إلى تحرير واجب لبنان تجاه الفلسطينيين من التجاذبات السياسية.

وألمح الحريري في نهاية كلامه إلى إمكانية إحداث ما يحسن ظروف اللاجئين المعيشية في ضوء الأرقام الجديدة، لكنه لم يتحدث صراحة عن منحهم حقوقا مدنية، حيث قال “الأرقام والمؤشرات التي توصل إليها هذا التعداد الشامل ترسم صورة واضحة وصادقة عن حقيقة أوضاع أخواننا اللاجئين، وتساهم في صياغة مشاريع وخطط للمعالجة”.

بدورها، دعت الكاتبة الصحافية اللبنانية المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية رندة حيدر في مقالة نشرتها جريدة “العربي الجديد” الدولة اللبنانية إلى “الاعتذار من الفلسطينيين في لبنان على الأكاذيب التي روجتها من خلال تضخيم أعداد اللاجئين منهم، واستخدامها فزاعة لتحريض طائفي وعنصري ضدهم، وحجةً لتبرير حرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية”.

وأشارت حيدر إلى أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ النكبة الفلسطينية العام 1948 وقفت بالمرصاد ضد توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عازية ذلك إلى سببين أحدهما المعلن بالدفاع عن حق العودة وإفشال المخططات الصهيونية، والآخر المضمر وهو “انعكاسات توطين الفلسطينيين على التوازن الديمغرافي الهش في هذا البلد الذي يعتمد في توزيعه السلطات السياسية على تقسيمات طائفية معقدة”.

ولفتت إلى أن “ما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان منحهم حقوقهم المدنية أكثر من الخطابات الحماسية للمسؤولين اللبنانيين في المحافل العربية والدولية وكما وعد رئيس الحكومة اللبنانية”. مبينة أن الازداوجية التي تتعامل بها الدولة اللبنانية مع الفلسطينيين في لبنان ومع القضية الفلسطينية، لم تعد مقبولة بعد الأرقام الأخيرة.

تضارب مع الشارع..

اللافت في ردود فعل لاجئين فلسطينيين ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي  أن قسما كبيرا منهم غير مشمول في المسح ولم تزره فرق العمل الميداني في حين رجح البعض أن تكون نسبة الخطأ أكبر من تلك التي أعلنت عنها لجنة الحوار والبالغة 10%، ما يجعل أعداد اللاجئين المعلن عنها أقل من الواقع.

ما وراء الأرقام..

في هذا السياق، قال الكاتب والباحث الفلسطيني نبيل السهلي في مقابلة أجراها معه موقع شبابيك: “ربما سقط سهوا بعض العائلات وقد أشارت الإحصائية لاحتمالات خطأ، لكن كان يجب التمحيص بخبرات الذين قاموا بالتعداد وقدرتهم على فهم الاستمارات”.

السهلي وهو باحث سابق في مكتب الإحصاء الفلسطيني بدمشق، لفت إلى “إمكانية وجود نتائج غير دقيقة مرتبطة بقصر فترة التدريب وعدم تخصص الميدانيين القائمين عليه في مجالات تخدم كعلوم الاجتماع والإحصاء والاقتصاد، فضلا عن غياب الرقابة الدقيقة لقادة المجموعات”وأضاف انه  “غالبا هناك مناطق بعيدة لم يشملها الإحصاء وكان يفترض الاعتماد على إطار جغرافي متفق عليه وإجراء مسح قبلي بالعينة”.

وفي ما يتعلق بالشق السياسي، تساءل السهلي “هل هناك مخطط ما سياسي واقتصادي، ومن قام بتصميم الاستمارات ووضع الأسئلة؟”، مرجعا ذلك إلى “الجهات القائمة بالمسح والدول الداعمة”واعتبر أن ” لكل طرف أهدافه، فإما تحسين ظروف اللاجئين والحصول على قاعدة بيانات محددة أو هدف سياسي مرهون بمشاريع التوطين الأميركية والغربية المطروحة للاجئين الفلسطينيين” وبين أنه إن كان الهدف تحسين الأوضاع التعليمية والاجتماعية والصحية فهذا جيد، أما إن كان في إطار ما يسمى صفقة القرن هنا تكمن الخطورة.

من جانبه، دعا الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي القوى الفلسطينية إلى دراسة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في ضوء الأعداد المتدنية لفلسطينيي لبنان ، ورأى كيالي أن تناقص أعداد اللاجئين في لبنان وسوريا والعراق يؤدي إلى تآكل قضيتهم، ولا سيما في ظل اختزال اتفاق أوسلو قضية فلسطين بالأراضي المحتلة العام 1967 وسكانها وتهميش منظمة التحرير لمصلحة السلطة.

ومن جانبه رأى الكاتب والباحث الفلسطيني ياسر علي أن للأرقام والنسب الصادرة عن التعداد آثار سلبية وإيجابية، وفي مقالة نشرها عبر صفحته على فيسبوك، بين أن خطورة الإعلان تكمن في “الرقم المنخفض نسبيا حيث يزيد من احتمال تنفيذ المشاريع الدولية، كالتجنيس والتوطين، كما أنه يحيد فئة كبيرة من رافضي التوطين الخائفين من التغيير الديمغرافي” واعتبر علي أن نسب الفلسطينيين المنخفضة في التعداد داخل مخيمات بيروت مقلقة، متسائلا “ما هو المقصود من هذا؟ وما الذي يحضر لمخيمات بيروت؟” مشيرا إلى أن الدول الأوروبية المانحة للأونروا ستعتمد تلك الأرقام باعتبارها صادرة عن جهات رسمية بدلا من أرقام وكالة الغوث، ما سيؤثر على قيمة التبرعات والمنح المدفوعة.

في الوقت عينه رأى أن من شأن الارقام أن تقلل خوف البعض من عدد الفلسطينيين الذي روج أنه ضخم، كما يحيد عداوة فئة من اللبنانيين للتوطين نظرا لعدم تأثير العدد الإجمالي على التوازن الديمغرافي في البلد.

ويحرم قانون العمل اللبناني الأساسي الصادر العام 1964 بطريقة غير مباشرة، اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من العمل في 73 مهنة الأكثر حيوية ضمن سوق العمل العام، حيث يفرض حصول الأجنبي على إجازة عمل من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهو ما تشدد العديد من الوزراء اللبنانيين في منحه للفلسطينيين، كما تم ربط منح الإجازة للاجئ بحصوله على عقد عمل أو العكس.

وبالرغم من أن تعديل القانون في العام 2010 ينص على إلغاء شرط المعاملة بالمثل والسماح بإصدار إجازات عمل مجانية، إلا أنه لم تصدر المراسيم التنفيذية بشأن ذلك، كما لم يتطرق التعديل إلى عمالة الفلسطينيين في المهن الحرة، وهو ما يبقي وضعهم على حاله.

وفي ما يخص التملك، يحرم القانون اللبناني رقم 296 الصادر العام 2001 اللاجئين الفلسطينيين من حق تملك العقارات في لبنان.

مشاركة