جل البحر يقاوم الاهمال والاقتلاع
الإثنين 28/11/2022بيروت – شبابيك – تقرير وتصوير هديل الزعبي
في لبنان 16 مخيما فلسطينيا تم بناءها منذ نكبة 1948، امتدت رقع أخرى عرفت بالتجمعات الفلسطينية ـ اتسعت هذه الظاهرة خلال الحرب الاهلية اللبنانية ـ كما تم تدمير عدد من المخيمات مثل النبطية وغيرها.
تضم مدينة صور مخميات الرشيدية والبص والبرج الشمالي، بالإضافة الى عدد من التجمعات ومنها المعشوق والشبريحا وجل البحر والقاسمية.
يقف على رأس أسباب معاناة التجمعات الفلسطينية عدم اعتراف الاونروا بها كمخيمات وبالتالي حرمان أهلها من الخدمات المقدمة من قبلها، وعدم اكتراث معظم الفصائل بمعاناة أهلها عبر تغييب عمل المؤسسات التابعة لها، فضلا عن تغطية الجمعيات والمؤسسات الدولية جزء من هذه الخدمات.
الواقع المهني
يعمل عدد من فلسطينيي الجنوب بالأرض والبساتين ومنهم أهالي جل البحر، كما يزاول الأهالي (نظرا لموقع التجمع على الشاطئ) مهنة الصيد وبيع الأسماك، تبلغ مساحة التجمع ما يقارب 1 كلم، تضم 240 منزلا، يقطنها ما يقارب 3000 لاجئا، ولا لا تتعدى يومية العامل في البساتين اكثر من 120 الف ليرة.
تؤمّن مهنة الصيد وبيع الأسماك مدخول عدد من الاسر في التجمع الا أن العمل في هذه المهنة يواجه تحديات من قبيل محاربة المسامك في المدينة، الى حد ازالة بسطات البائعين من قبل البلدية، التي ترسل الدرك من أجل الازالة بعد تلقيها الشكاوى، باعتبار البسطات مخالفة للقانون. ولا تكتفي البلدية والجهات المعنية بذلك، فقد يصل الامر الى الحبس، مما يجعل مصادر رزقهم محدودة او شبه معدومة.
الأونروا والأمية
تصل نسبة الأمية بين أبناء جل البحر الى 90% حسب قول أهله، فهو يخلو من أي مدرسة تابعة للأونروا أو مركز أو معهد تعليمي أو حتى روضة، كما يحول بعد التجمع عن مخيمي الرشيدية والبص دون مشي التلاميذ على الاقدام الى المدارس في ظل ارتفاع كلفة المواصلات، بالإضافة الى خطر الحوادث على الطرقات، الأمر الذي يؤدي الى تراجع نسبة التعليم، لا سيما أن الموت على الطرقات اختطف 18 طفلا من التجمع الذي يقع في مدخل اوتوستراد صور منذ العام 2000. ولم تقدم الأونروا باصات مجانية لنقل التلاميذ اسوة بما فعلت مع تلاميذ برج الشمالي. الذين يتعلمون في مدرستي البص والرشيدية.
ويخلو التجمع من عيادة للأونروا، مما يجبر الأهالي على دفع كلفة إضافية للوصول الى عيادة البص.
تعرض تجمعا جل البحر وشبريحا لخطر الازالة قبل انتشار وباء كورونا، وابلّغ الدرك الأهالي بوجوب الإخلاء إلا أن أحداً لم يوقع، تم التريث عن التنفيذ حتى اليوم، لكن احتمالات التنفيذ ما زالت قائمة.
بيوت مكشوفة
تطل المباني الكبيرة على أهل التجمع الذين لا تزال أسقف بيوتهم من زينكو نظراً لمنع الدولة اللبنانية القيام بأعمال البناء أو الترميم او تغيير الزينكو او طلاء الجدران، وفي الشتاء تتعرض المنازل للجرف، لعدم وجود كاسر للأمواج، باستثناء بعض البيوت، التي أقامت احدى الجمعيات كاسرا للامواج التي تصل اليها، لكن الكاسر لا يغطي إلا جزء بسيطا من مساحة التجمع. كما توضع على بيوت الزينكو في الصيف مادة الاندولين، المفترض فصلها عن الزينكو كل فترة، كي لا تتجمع الجرذان بينها، وتتسبب برائحة قذرة في البيوت، لكن الازالة ممنوعة على الأهالي، الامر الذي يزيد من معناتهم في الفصلين.
مبادرات ولجان
أفرزت دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ التسعينيات ـ تحت غطاء منظمة التحرير الفلسطينية ـ ممثلين عنها لتشكيل لجنة شعبية تابعة للمنظمة في كل مخيم وتجمع فلسطيني. وتعددت اللجان الفصائلية فيما بعد في عدد من المخيمات.
تدير تجمع جل البحر اللجنة التابعة للفصائل الوطنية، و تتشكل هذه اللجان عادة من المفروزين فصائليا، بغض النظر عن كفاءتهم في العمل الخدماتي أو نزاهتهم، وقد يكون احد اسباب تقاعس عمل اللجنة ضعف الإمكانيات، الا انه لا يمكن لضعف الأمكانيات أن يكون سببا في إجهاض محاولات التغيير عبر الحث على تحمل المسؤولية أو التعاون ومساعدة الشباب أو عدم عرقلة عملهم وهذا ما نراه في كل مخيم أو تجمع.
يقول أحد الناشطين في التجمع، وهو عيسى مناصري، أن صندوقا للمغتربين أنشأ في عام 2008 بمبادرة من قبل شباب التجمع مع تبني المغتربين الصندوق، الذي غطى حالات استشفائية من واجب الاونروا ان تغطيها، وادى ضعف وتقاعس واستهتار الفصائل في المطالبة بحقوق أهل التجمع الى البحث عن طريقة أخرى لحل المشكلات وهي الصندوق.
يعيش معظم السكان حالة مادية صعبة معتمدين على الأبناء المغتربين، كما يحصل مع عائلة عيسى المؤلفة منه وزوجته و شاب وشابة جامعيين، والتي بقيت دون دخل منذ ثلاث سنوات.
خلا التجمع منذ ما قبل جائحة كورونا من الشباب كما حصل في باقي المخيمات والتجمعات نتيجة الهجرات المكثفة، الا أن واقعاً جديدا ظهر مع مرور السنين، وهو “أن أطفال التجمّع قد كبروا” كما يقول عيسى.
تم تشكيل مبادرة شبابية في عام 2012 أسوة بباقي المبادرات الناشئة في مختلف المخيمات والتجمعات من أجل العمل الاجتماعي الشبابي، وكانت اهداف المباردة التشبيك مع باقي المبادرات والخوض في العمل الاجتماعي في المخيم من أجل تحسين الوضع الا أن الفصائل رفضت التعاون مع الشباب.
قام الشباب بمبادرات لردم الفجوة مع اللجنة الفصائلية لتفعيل عمل الشباب ـ كما يقول الناشط عيسى مناصري ـ من خلال طلب إفراز شباب الفصائل للخوض في العمل الاجتماعي والاغاثي والشبابي الا ان طلبهم قوبل بالرفض او اللامبالاة.
رغم ان من بين مهام اللجان الشعبية في لبنان ـ وفقا لنظامها الداخلي ـ التواصل ومتابعة ومراقبة اعمال الاونروا وغيرها من المؤسسات المعنية للحث على تحقيق المطالب الخدماتية، لم تستطع اللجنة المطالبة بزيادة نسبة تحويلات التغطية المادية من قبل الاونروا في حالات الاستشفاء والتي تحق لكل لاجئ، وهي تحويلات تتعلق بصور الاشعة والعمليات الجراحية التي تغطي الاونروا نسبة كبيرة منها.
يشير مناصري الى حملة تبرعات لإكمال نسبة تغطية حالات الاستشفاء او الحالات المتعسرة من صندوق المغتربين سابقا، كما يؤكد على ان الاونروا تقصر في تغطية التحويلات للتجمع دون تدخل الواسطة، مما يشير الى نبذ دائم للتجمع واستهتار بحقوق سكانه من خدمات الاونروا ولا سيّما ما حصل مؤخرا من تقديم مواصلات نقل مجانية للطلاب في البرج الشمالي واستثناء تلاميذ جل البحر.
تم منذ بداية افتتاح المركز التعليمي، محاربته واحباط العمل الشبابي، فقد رميت النفايات على مدخله، تكرر ذلك عندما قدمت منظمة أخرى تعمل في المخيمات الفلسطينية، مشروع ملعب على الشاطئ، نُفذ المشروع كاملا مما خلق مساحة آمنة للأطفال وملاذا للشباب، الا انه تم تكسير الٕاضاءات والعارضات ثم تخريب المشروع من قبل مجهول.
وفي مبادرات أخرى باءت بالفشل، أقيم كاسر للأمواج، الا انه لم يغط سوى مساحة ضئيلة من الشاطئ، مما زاد خطورة تصاعد الأمواج على البيوت المتاخمة للبيوت التي حُصنت بكاسر الموج.
أجهضت محاولات بعض الشباب في الوصول لأي نوع من التغيير، حورب البعض لان اللجان لا تسمح بدخول المؤسسات للتجمعات والمخيمات الا عبرها، كونها تعتبر اللجنة البوابة الشرعية للمخيم.
تمتنع اللجان عن العمل مع الشباب كما يحدث في جل البحر، تفضل النأي بالنفس، تحاربهم خوفا على مكانتها الشرعية، كما يحدث في معظم المخيمات او التجمعات، وتكتفي ببعض الاستفادات الخاصة والحفاظ على مصالحها، نرى ذلك بوضوح في منزل أحد مسؤولي التجمع، المسقوف بالاسمنت.
جل البحر ليس التجمع الوحيد المهمش، وليست المبادرات الناشئة منذ أكثر من عشر سنوات سوى جبهات بين فصائل تخاف على مكانتها وشباب يريد التغيير ولو بنسبة ضئيلة.
احدثت المبادرات الشبابية المستقلة او التي فشلت في استكمال استقلالها شرخا جديدا في المخيمات بين القيادة والشباب، وما زال يجابه الشباب الكثير من التحديات مع الفصائل، مما يفتح باب التخوين او النبذ او التشكيك باي مبادرة تحاول الصعود مستقلة وتفقد استقلاليتها نظرا لضعف الإمكانيات.