logo
جيل النكبة لشبابيك: سكننا الوطن بعد اقتلاعنا منه
الثلاثاء 15/05/2018

شبابيك – عين الحلوة: لميس ياسين- رشا حيدر، برج الشمالي: إيمان جمال الرفاعي -أمل الرفاعي، البداوي : عدنان الحمد

تعود ذكريات رحلة اللجوء الصعبة الى أذهان مواكبيها بمجرد سؤالهم حول ما عايشوه، تنسل ببطء، وتتناسل لتصير عالماً من الحكايات، التي يتشكل منها تاريخ شفهي، يواجه احتمالات الإندثار، مع عوامل الزمن والشيخوخة وشح التدوين.

ورغم مرور  70 عاماً على نكبتهم الكبرى يُصعب على الفلسطينيين نسيان لحظات الترحيل القسري التي عايشوها، ويرفضون احتمالات الموت بعيداً عن مدنهم وقراهم .

شبابيك بحث في مخيمات لبنان عن الباقين على قيد الحياة من أصحاب تلك الحكايات واستمع لأحاديثهم التي لم تفقد حيويتها بعد وكأن الاحداث وقعت البارحة :




الحاجة جميلة: تذوقنا مرارة الحياة حيث عشنا في “الشوادر” ولم نعش يوماً بسلام”..

الحاجة جميلة أحمد عبد العزيز من مواليد 1948، خرجت من فلسطين وهي رضيعة، أثار النكبة واضحة على جسدها جراء قصف العصابات الصهيونية، لجأ أهلها الى سوريا لمدة عامين ثم عادوا الى لبنان باعتباره أقرب الى فلسطين.

تستذكر الحاجة جميلة قائلة “بعد عودتنا من سوريا لجأت عائلتي الى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، حيث كان هناك مخيما يُعرف بمخيم “الطوارئ”، تذوقنا مرارة الحياة في “الشوادر”، ولم نعش يوماً بسلام”.

وتضيف ” شهدنا عدة نكبات، في بداية اللجوء، كان الفلسطيني يفتقر الى المساعدة الاجتماعية ويعيش على الاعاشة التي تقدمها الأونروا، ومع قيام الثورة الفلسطينية في أوائل1965 استبشرنا خيراً، وأثر قدوم الفدائيين الى لبنان اعتبرنا ان عودتنا اقتربت، لكن الواقع كان مختلفاً، عندما بدأت العمليات الفدائية بدأ القصف علينا لينجرف المخيم “من الشارع للسكة”.

وتستطرد “ظهر الظلم والمعاناة والفقر مجدداً بفعل الإنقسام الفلسطيني- الفلسطيني، تضييق الدولة اللبنانية، ونوم قادة البلاد العربية في سبات عميق” مردفة “لم نحصل على حقوقنا يوماً، مهما تعلّم الانسان يبقى في المستوى ذاته، في البلاد الأوروبية يقضي الفرد 4 سنوات ويحصل على حقوقه كاملة ونحن نقضي سنوات عمرنا ولم نحصل حقوقنا الأساسية.




الحاجة ظهيرة “أم لطفي”: افترشنا اشجار الزيتون مدة اسبوع والاسبوع اصبح شهرا والشهر اصبح 70 عاماً…

غادرت الحاجة ظهيرة “أم لطفي” من قرية الخصاص قضاء صفد بلدتها حين تجاوزت عامها الرابع عشر، مع زوجها الذي كان يعمل حاجباً في المحكمة الشرعية ، متوجهة الى لبنان بعد أن كانت تعيش حياة سعيدة في بيتها الصغير المجاور لأشجار التفاح.

من  فراشها الذي ألزمها اياه المرض تصف لنا الحاجة أم لطفي حكاية النكبة التي عاشتها تفاصيل صغيرة مليئة بالمآسي قائلة: كنا نعيش في قرية الخصاص ، التي يعود اسمها الى بيوتها التي كانت عبارة عن اكواخ من القصب الذي اشتهرت به القرية.

تصف الحياة في ذلك الوقت بانها كانت أشبه بالعيش في الجنة “الاشجار الفارعة محيطة بنا من كل جانب، نتنزه عند بحيرة الحولة والمصطبة التي كان يعتبرها سكان المنطقة مباركة لانها من صنع العوامل الطبيعية، وفي احد ليالي شتاء 1947 انطفأ ضوء السراج، ايقظت زوجي الذي خرج ليعبئه من جديد، فسمعنا صوتا وراء بيتنا يقول “من هنا” بالعبرية، ادرك زوجي ان هناك تحضيرا لشيء ما، فايقظ اهله، لكنه لم يستطع تنبيه السكان، كانت نيرانهم أسرع منه، اطلقوا النار على البيوت، رموا قنابل ونسفوا عددا من المنازل انتقاما لمقتل رجل شرطة”.

وأضافت “تحت جنح الظلام اختبأنا داخل شجرة التوت، بين اغصانها، حتى الصباح، لم انم طوال الليل، افكر في مصير عائلتي والاهالي، وعند الصباح كانت الحرب النفسية أشد وقعاً من النيران، اشاعات وتهويل المشهد، ووصف لمجازر القرى الاخرى، ولقاتل لا يحمل ذرة انسانية”.

“أمسك زوجي يدي ونحن حفاة واتجهنا الى آجام الصبار تحسباً لأي جديد، بتنا ليلة اخرى، واخذت النساء يندبن ما حلّ بهن من دمار، اذكر  إمرأة داست على رضيعها وهي هاربة، كانت الرصاصة في فخذها، حاولنا اسعافها لكن دون جدوى ففارقت الحياة، بعد ايام من الخوف والجوع عدنا الى قريتنا المدمرة لنخرج منها ثانية في 25 ايار 1948، كنت حاملاً بطفلي الاول حين جاء جيش الاحتلال وطردنا بالقوة، كنت أحضر العجين للخبز، تركت ما في يدي وغطيته، قلت اخبزه عند المساء معتقدة اني متوجهة من جديد الى آجام الصبار ، طالت الغربة الجميع، خرجوا بما عليهم من ملابس” تقول بحسرة.

تقول أم لطفي “جاوؤا بشاحنات كبيرة وأجبرونا على الصعود بالرفس والشتائم والضرب، أذكر إني تلقيت ضربة على بطني من مجندة سوداء بعد أن قلت الغربان السود جاءت لتطرد الحمائم البيضاء، ما كان منها إلاّ وجهت لي ضربة بالبارودة على أسفل بطني فقدت على أثرها الوعي ، وعندما وصلنا الى الحدود اللبنانية كان هناك عشرات العشرات من مختلف قرى صفد، عندها شعرت أن العالم انتهى وإن البلاد ضاعت”.

تكمل حديثها قائلة “بعد وصولنا الى لبنان استقلينا سيارات أوصلتنا الى دير ميماس اللبنانية، افترشنا أشجار الزيتون مدة أسبوع والأسبوع أصبح شهراً والشهر أصبح 70 عاماً، الى ان استقرت عائلتي في عين الحلوة وبدلنا الخيمة بالحجارة ليصعب نقلها اذا عدنا.




الحاج صالح “أبو يوسف”: ” الله ينزع اليهود إلي نزعتنا، الله ينزع الدول العربية يلي ماشية مع إسرائيل”!

الحاج صالح كلّم ” أبو يوسف” من قرية جالين، كبير عشيرته ومن أواخر الذين عايشوا النكبة ولازالوا على قيد الحياة، خرج من فلسطين وهو في الثانية عشرة، ويبلغ الان من العمر ٨٢ عاماً.

يروي أبو يوسف أحداث النكبة بقلبٍ يعتصره الالم والمرارة قائلا: جاء اليهود إلى بلدنا وطردونا من بيوتنا واخذوا أرضنا وسلبونا أملاكنا، كان هناك مختارا لليهود، يأتي يومياً ليشرب الحليب عند والدي، ويقول له يا أبو محمد لا تخرج سأوصي جيش “الهاغانا” ألا يمسّك بسوء.

يستذكر كيف وضع أحد اليهود الرشاش على بطنه، فذهب هو ووالده ليشتكي إلى المختار، الذي استدعى عددا من اليهود، وطلب من أبو يوسف التعرف على الفاعل، فتعرف عليه، و”قام المختار بتحذيره من التعرض لي مرة أخرى، كان اليهود يحتاجون الينا دائما، ويشترون منا القمح والتبن”.

يتابع أبو يوسف “كنت طفلاً صغيراً أذهب مع أختي إلى عكا وترشيحا والقرى القريبة، كنت في مدرسة مختلطة وطلاب كثيرون، حوالي ٥٠ ولدا و ٣٠ بنتا،  وكانت المدرسة عبارة عن بيت من الشعر، يأتي لتعليمنا شيخ من يارين، لم نتعلم سوى شهر ونصف قبل أن تحصل النكبة ونتهجر إلى لبنان، وصلنا في البداية إلى قرية شيحين، رحبوا بنا وبقينا فيها حوالي السنة، ثم ذهبنا إلى علما الشعب لنبقى فيها ١٠ سنوات ونعامل أفضل معاملة من قبل الاهالي، ثم قالت لنا الحكومة اللبنانية أن اسرائيل لا تريد فلسطينين قرب من الحدود ، فأتينا إلى الشبريحا.

يستذكر قائلا: اشترينا أرضا في فلسطين مساحتها ٣٠ دونما بالقرب من أرضنا القديمة وزرعناها قمحا ولم نحصدها بفعل الاحداث والهجرة، كنا نحيا حياة كريمة، حياة ملوك، كنا نحيا في مهد عيسى، خير الله علينا، وكانت العلاقات كلها ألفة ومحبة، نذهب إلى ترشيحا لحضور الأعراس و يرحب الجميع بنا، نزرع الفول الأخضر والقمح، ويتوفر لدينا السمن البلدي ودبس الخروب، في كل سنة كنا نحصد ١٠٠شوال قمح، لم نكن تحتاج أحد ولا أحد يحتاجنا ” الله اليهود إللي نزعونا، و الدول العربية يلي ماشية مع إسرائيل” يقول بألم.

يتابع أبو يوسف روايته “هربنا من فلسطين بفعل المجازر، احتجزونا قرب طبريخا وحاصرونا بـ٣ دبابات، وكان معهم رشاشات، كانت النساء والاطفال يصرخون من الخوف وكنا نهرب زحفاً على بطوننا، وكان جيش الانقاذ يهرب معنا وكثيراً ما كنا نحمي القرى من جيش الهاغانا ونسلمها للانقاذ، ليسلمها بدورة لليهود ” هذه هي الخيانات العربية”.

لدى استعادته زمن الانتداب البريطاني يقول أبو يوسف : عندما انتهى الإنتداب عن فلسطين وبدأ الجيش البريطاني بالإنسحاب قال لي والدي إذهب وانظر ما الذي يحدث، كنت طفلاً صغيراً،  جلست أراقب من بعيد كيف انسحب الجيش البريطاني تاركاً وراءه الدبابات والاسلحة والمصفحات لليهود لكي يتدربوا عليها، ذهبت إلى والدي وقلت له ماذا رأيت فقال لي لقد انكشفت المؤامرة، اليهود يريدون أن يحاربونا ويحتلوا أرضنا.

يختم الحاج أبو يوسف روايته قائلا : لقد أخذوا فلسطين منا بقوة السلاح ولن تعود إلينا إلا بقوة السلاح ونطلب من الله أن تعود الدول العربية إلى صوابها وتقف  إلى جانبنا لمحاربة اسرائيل، شعبنا وحده غير قادر على محاربة اسرائيل، نحتاج إلى القوة والوحدة لكي نستعيدها من الصهاينة.




الحاج محمد “أبو عصام: “لولا تخاذل الدول العربية وخياناتها وضعفها لما استطاع الإسرائيليون احتلال أرضنا”…

“انا من هناك ولي ذكريات ” بقلب يعتصره الحزن و الالم يعيد الحاج محمد فرح هجرس ” أبو عصام ” من مواليد قرية لوبية عام 1930 ، مقولة الشاعر محمود درويش قبل استعادة ذكريات اقتلاعه من ارضه.

يقول الحاج أبو عصام الذي يُعد علما من أعلام قرية لوبية ويقيم في مخيم “الشهداء” برج الشمالي:ما زلت احفظ الاحداث عن ظهر قلب كيف كان اليهود يزرعون الالغام حول البلدات الفلسطينية وينسفون البيوت المطرفة لارهاب سكان القرى ودفعهم لتركها، تمت مهاجمة قريتنا ونحن في الحصاد في السهل فقريتنا تشتهر بزراعة القمح وبالنسبة لي كنت في الـثامنة عشرة من العمر احرس حول بلدة لوبية حتى لا يأتي اليهود ويهاجموا قريتي ولم أكن أُجيد القتال المسلح كنت قد ذهبت لكي أكون في العسكرية وأخدم في القوات لكنهم لم يقبلوني لصغر سني آنذاك.

ويتابع قائلا ” يوم احتدمت المعركة ووصلوا الى اول البلدة بدباباتهم، اتت النجدة من القرى المجاورة، استبسل يومها أبناء البلدة في الدفاع عن بلدتهم، واستطاعوا التغلب على المهاجمين رغم العدّة والعتاد التي يمتلكونها وقتلوا منهم ٤٠ مهاجما، واستشهد حوالي ٢٢ من المدافعين، وتم دفنهم في مغارة الشهداء هناك.

 يضيف ان القتال ضد اليهود كان نخوة للدفاع عن الارض ولم يكن هناك تنظيم، كنا نشتري البارودة والذخيرة من مالنا الخاص،  الجامعة العربية أرسلت جيش الانقاذ لكن لم يكن لديهم من امرهم شيئا، دخل الكثير من اليهود الى بلادنا بسبب ضعف هذا الجيش وخوفه .

يستطرد قائلاً  “عندما سقطت بلدة صفورية وطبريا والشجرة اغلقت الطريق من كل الجهات أمام أهالي بلدة لوبية فأجبر الأهالي بعد اشتداد القصف على سلوك طريق واحدة، نمنا ليلتها في وادي سلامه حتى اجتمع الجميع  وخرجنا الى عيلبون ومنها الى البقيعة ومن ثم الى حرفيش وبعد كل المأساة والمعاناة والفقر وضنك التهجير وصلنا الى يارون ومنها الى بنت جبيل ومن ثم تم نقلنا الى عنجر حيث تولى الصليب الاحمر امرنا الى ان تم نقلنا مرة اخرى الى برج الشمالي .

وبعد لحظات صمت يقول ” ذقنا الويل وكل اصناف العذاب خلال رحلة التهجير ولولا تخاذل الدول العربية وخياناتها وضعفها ما استطاع الإسرائيليون احتلال أرضنا” مؤكداً على الحاجة الى الصبر والتضحية والنضال من اجل استعادتها.




الحاجة نزهة “أم محمد”: سكنا في العراء ثم في بيوت “الزينكو”

تقول الحاجة نزهة أحمد علي غنيم “أم محمد” والتي تبلغ من العمر 89 عاماً ومن مواليد قرية الجش  “خرجت من الجش بسبب الحرب بعد ان قصف الاحتلال القرية”، كنت متزوجة ولدي ولد عمره عام وحامل خرجت في العراء بين الغابات والوديان، حتى قصف الطيران وقتل عدد كبير منا.

وأضافت “كنا في الوديان وكان هناك امرإة ترضع طفلها تحت شجرة التين ، أصيبت في رأسها، لم يكن الجيش العربي يملك السلاح للمواجهة، وعندما وصلنا الى لبنان انتقلنا إلى بنت جبيل ومن ثم إلى مناطق اخرى سكنا في العراء ثم في بيوت “الزينكو”.

نكبة الشعب الفلسطيني والتهجير الذي عاناه ومازال يعانيه محطة في رحلة هجرته التي لم تنته في الدول التي لجأ إليها وعانى فيها أشد أنواع العذاب النفسي والمعنوي، وبعض معركة طويلة  ومتواصلة للحفاظ على وجوده ونيل حقوقه المسلوبة في ظل المحاولات “الاميركية والاسرائيلية” الرامية الى سلب هوية القدس الإسلامية وتهويدها، وتصفية القضية الفلسطينية.

 

مشاركة