شبابيك يرصد نزيف الوعي في مدارس المخيمات
الثلاثاء 6/03/2018صور ـ شبابيك ـ ايمان جمال الرفاعي – تصوير رانية سعد الله
يقول الشاعر مريد البرغوثي: إذا كان غرب البلاد أصبح اسمه “إسرائيل” وشرقها أصبح اسمه “الضفة الغربية” أين تقع فلسطين، ولكي تضيع فلسطين أرضاً كان يجب أن تضيع لغة أيضاً.
قول البرغوثي يعني من بين ما يعنيه أهمية التمسك بفلسطين لفظاً وقولاً وترسيخها في أذهان الاطفال والشباب أينما وجدوا والعمل على عدم تغييبها من الذاكرة، رغم التحولات والتطورات العديدة التي عصفت بالقضية الفلسطينية والتحديات التي يعاني منها اللاجئون الذي هجروا من وطنهم، والتي أدت الى تراجع في الثقافة الوطنية والوعي الوطني في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والاوضاع المآساوية التي تدفع اللاجئ الفلسطيني للبحث عن أولوياته المعيشية
الاستاذ جهاد الحنفي مدير مدرسة فلسطين في برج الشمالي |
عن دور المعلم في تعزيز الثقافة الوطنية قال جهاد الحنفي مدير مدرسة فلسطين: ان الاونروا معنية بذلك من ناحية مهنية وقانونية وضمن نطاق التربية والثقافة البحتة وليس من ناحية سياسية، مع التركيز على مراعاة موضوع الحيادية والقانون الذي تلتزم به المؤسسة.
وتابع أن هناك العديد من المناسبات الوطنية المدرجة على روزنامة الانروا ومنها ما هو عطل رسمية مثل يوم الشهيد، ومنها ما هو للاحياء مثل يوم الارض، يوم النكبة، ووعد بلفور. ويتم احياء هذه المناسبات بما لا يتعارض مع سياسة الانروا أي بعيداً عن الانشطة التي تحتوي على العنف، ويتم التركيز والعمل على شرح المناسبات الوطنية ضمن السياق التعليمي.
في جانب آخر لا يوجد منهج وطني رسمي لدى الاونروا عن تاريخ وجغرافيا فلسطين، هذا المنهج كان موجوداً سابقاً، وحاليا هناك جهد كبير من المعلمين لتطويع الكثير من المواد وصياغتها بأهداف تعليمية تخدم القضية الوطنية ويشمل ذلك مادة اللغة العربية والتربية الوطنية، من خلال الاختبارات والأنشطة المنهجية واللامنهجية.
ويؤكد الحنفي أنه يتم احياء المناسبات الوطنية بشتى الطرق من خلال الانشطة التي ترسّخ اسماء القرى والمدن الفلسطينية في ذهن الطالب، ونؤكد من خلالها حقنا في العودة الى وطننا الذي هجرنا منه قسراً. لا يروق الامر للبعض لكننا مستمرون في خدمة قضيتنا من مدارسنا بما لا يخالف قانون الأونروا، مع العلم أن موضوع الحيادية لا يعني أن لا نتكلم في وطننا، ولنا مساحة كبيرة في التعبير عن الوطن.
يستطرد قائلا اذا أردنا مقارنة الثقافة الوطنية التي كانت موجودة في المدارس مع ما هو عليه الامر في الوقت الحالي نصل الى أنها كانت أقوى وأكبر لأكثر من سبب.
يشير المعلمون الذين التقيناهم في المدارس الى أن اللجان الشعبية والأهلية والفصائل لا تترك مناسبة وطنية الا وتأتي لاحيائها في المدارس، اما من خلال توزيع البيانات أو شرح المناسبة للطلاب. وهنا ياتي دورنا للموازنة بين ما هو وطني وما هو سياسي.
وعبر الأستاذ جهاد حنفي عن عتبه الشديد على أولياء الأمور، لما يبدو من ضعف في التربية الوطنية داخل الأسر الفلسطينية في المخيمات، حتى وصل الأمر إلى وصول الأطفال إلى مرحلة الابتدائية وهم لا يعرفون بلدتهم الأصلية التي هجروا منها، أو أي معالم ومدن فلسطينية، موصياً أولياء الأمور إلى تدارك ذلك، وتطوير المعرفة والثقافة الوطنية لدى أبنائهم، باعتبار ذلك واجبا وطنيا.
وأعرب الحنفي عن رغبته الشديدة في اعتماد طريقة عمل موحدة لكافة القوى والمؤسسات لتقديم نموذج تربوي وطني شامل وجامع يساعد المدرسة على اكمال دورها في التربية الوطنية للطلاب.
اضافة الى ذلك دعا العديد من مسؤولي الفصائل والقوى الى ضرورة العمل معاً للتنسيق والتعاون مع الاونروا لاعادة المنهج الوطني الرسمي الذي كان معتمداً ويحتوي على كتب تعليمية عن تاريخ وجغرافية فلسطين.
أما بالنسبة لدور المؤسسات تقول مريم دياب العاملة في مركز القدس للشباب في مخيم الرشيدية: لاشك أن الانتماء للوطن هو الجسر الذي يجب أن يعبر عليه الطفل، لترسيخ الهوية الوطنية، وهو قيمة أعمق بكثير من لحظات الفرح فقط. ويجب أن تظهر تجلياته في خدمة الوطن والدفاع عنه والاستماتة في ذلك، خاصة اننا لا نعيش في وطننا بل في مخيمات اللجوء والحرمان. ويعتبر الانتماء للوطن الحصن المنيع الذي نعمل على بنائه في أطفالنا.
وتشير دياب الى توظيف المناسبات القومية والوطنية في اكساب الأطفال العادات والتقاليد الإيجابية، وترسيخ الهوية الوطنية، وتنمية حب الوطن.
عن الانشطة التي يقوم بها المركز تقول دياب: نعمل على احياء ذكرى النكبة من خلال جلسات نقاش مع الاطفال ومشاهدة أفلام وثائيقة عن عام ١٩٤٨، ومجازر العدو الصهيوني وقصة اللجوء الموحشة التي تعرضنا لها. كما نعرض لهم جمال وطننا فلسطين وخاصة المدن التي ينتمون اليها وكيف سلبها العدو وأخذها بالقوة. وفي هذا السياق تشير الى أن المناسبات الوطنية ليست عطلة للراحة، بل فرصة سانحة لتوطيد انتماء الأطفال.
وتشير الى أنه عند سؤال اغلب الاطفال عن سبب عطلتهم في المناسبات الوطنية ترى علامات الاستغراب على وجوههم. ودائما ما نذكر الاطفال بالاطفال الذين يقبعون في سجون الاحتلال مثل البطلة عهد التميمي وغيرها الكثير، ونروي لهم قصصهم ونقوم بوقفات تضامنية معهم. كما نعمل عَلى تعزيز الثقافة الوطنية بنقل المفاهيم الوطنية للطفل، وبث الوعي فيه بتاريخ وطننا وإنجازاته، وتثقيفه بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن، والعمل على إدراك الطفل للمعاني التي يرمز لها «العلم»، والنشيد الوطني. ونشير هنا إلى أن حفظ الأناشيد الوطنية له أكبر الأثر في تنمية الحس الوطني، إضافة إلى تشجيعهم على إبراز حبهم لوطنهم بالتعبير عن ذلك الحب بالكلام والكتابة والشعر والمناقشات.
وتستطرد قائلة: رغم اننا لا نعيش في وطننا، الا اننا نعمل على تنمية مفهوم المواطنة لدى الطفل وتنشئته على حب التقيد بالنظام والعمل به، وتهذيب سلوكه وأخلاقه، وتربيته على حب الآخرين وتعويده على حب العمل المشترك.
وتشدد على ان “المهمة الصعبة الملقاة على عاتقنا” تحتاج الى جهود كبيرة لأن هناك سياسات تعمل على تجهيل الجيل الناشئ. وتشير الى أن تطور التكنولوجيا وإفرازاته المختلفة والهائلة كالأقمار الصناعية والشبكات العنكبوتية، والحاسبات الآلية، ووسائل الاتصال المختلفة أسهم في تضاؤل دور الأُسر المهم في تنمية الثقافة الوطنية للطفل، مما يؤكد على أهمية دور المراكز والمؤسسات في تدعيم هذه القيمة لدى الاطفال.
وليد جمال.. رب أسرة |
يقول وليد جمال، وهو رب اسرة من مخيم برج الشمالي لـ “شبابيك”: ان تعزيز الثقافة الوطنية لابنائنا يكون أولاً بتربيتهم تربية سليمة منذ طفولتهم وتعليمهم حب الأهل والجيران والمجتمع وحرصهم على العلم. وعلى الاباء متابعة الأخبار والقضايا التي تهم الوطن والتفاعل معها بشكل واضح. ان فرح اخواننا بالوطن نفرح لهم وإن حزنوا نتأثر فوراً بما يحدث بفعل ظلم المحتل، بذلك تنتقل المشاعر الصادقة من الاهل والابناء بتلقائية لأن الوالدين قدوتهم ومثلهم.
عن تراجع الثقافة الوطنية يقول جمال: كلما اشتدت الصعاب على أبناء وطني داخل المخيمات والتجمعات زادت وطنيتهم وحبهم لبعضهم من هنا نرى الجميع يداً واحدة وقلبا واحدا. الروح الوطنية لم تمت في اولادنا بل تزداد مع كل حدث في وطننا ويبدو هذا واضح من تفاعل شبابنا مع الاحداث سواء الأليمة أو المفرحة التي تحدث هناك.
وتقول أمل الرفاعي، وهي ربة أسرة: ان من أهم ما يجب العمل عليه هو تعزيز الثقافة الوطنية في وجدان الطفل وبناء الوعي الفكري والمفاهيم النبيله وترسيخ الهوية والانتماء للوطن وغرس حبه في نفوس ابنائنا منذ الصغر. كما يجب ان يتعلم الطفل القيم الانسانية وحفظ اسماء المدن والقرى الفلسطينية التي ننتمي اليها. ويجب اخبارهم بشكل دائم اننا نعيش لاجئين في لبنان الى حين العودة وتعزيز الهوية الوطنية وحفظ النشيد الوطني الفلسطيني وترديد الشعارات عن حق العودة والمشاركة في المناسبات الوطنية والمهرجانات لتوطيد الكرامة في اعماقهم