logo
فصل الانتظار الطويل في مخيمات اللاجئين
الإثنين 22/01/2018

شبابيك ـ برج الشمالي – إيمان جمال الرفاعي، الرشيدية – رانيا سعدالله، عين الحلوة – رشا حيدر، أمجد صالح، الجليل – وائل محسن، نهر البارد – عدنان الحمد

للشتاء ملامح اخرى في مخيمات اللاجئين، تزدحم فيه تفاصيل المعاناة المستمرة طوال العام، تزداد تفاقما، وتقل الحيلة في التعامل معها، ولانه فصل انتظار الصيف، الذي يلخص حالة الانتظار المزمنة في حياة الناس، واكثر فصول العام قدرة على نبش ذاكرة اللجوء رصد فريق “شبابيك” مظاهره من تحت اسقف الزينكو، وبين الزواريب.

 مع كل زخة مطر تتحول طرقات وشوارع مخيم البرج الشمالي الى مستنقعات وبرك مائية تعيق حركة المارة والسيارات، وتتسبب الرياح بسقوط الواح الزينكو، كما تدخل مياه الامطار الى الكثير من المنازل بفعل تشققات الاسطح والمباني، وتنعدم الحركة بين ازقة المخيم الضيقة بسبب عدم وجود بنية تحتية وشبكات صرف صحي قادرة على استيعاب كمية الامطار المتساقطة وسقوط مياه مصارف الاسطح فوق رؤوس المارة. يضاف الى ذلك كله معاناة أهالي المخيم من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي بفعل الاعطال الناتجة عن العواصف أو بسبب الضغط على الشبكة الكهربائية، لا سيما ان عدد “المحولات” المتوفرة في المخيم لا يتناسب مع عدد السكان المتزايد. ومع انقطاع التيار الكهربائي تنعدم وسائل التدفئة المتوفرة التي تعتمد على مصادر الطاقة الكهربائية لعدم قدرة الاهالي على شراء البدائل الاخرى “الغاز/ المازوت”. وتتسبب الامطار ايضا في منع سكان المخيم من الذهاب الى اعمالهم حيث يزاولون مهن يومية زراعية وبنائية وتعيق هذه الامطارعملهم وتحرمهم من الحصول على اجرهم اليومي.

 مثل سائر مخيمات لبنان ما ان ينتهي هطول المطر في مخيم الرشيدية حتى يخرج الناس لتفقد الأضرار الناجمة عنه، هناك من يتفقد أرضه الصغيرة التي زرعها لتوفير حاجات بيته، وآخر يبتئس من هول الأضرار التي حدثت بسبب دخول مياه الامطار الى منزله، بالإضافة إلى المشكلة الأكبر وهي مشكلة البنية التحتية التي لم تُنفذ وفق المعايير الصحيحة، وعدم وجود سد مقابل الشاطئ البحري يزيد من قلق أصحاب البيوت المجاورة له، والكهرباء مقطوعة طيلة ايام العاصفة، ووسائل التدفئة قليلة واكثرها استعمالا الاغطية الشتوية، الزواريب موحلة، وامراض الشتاء من الانفلونزا والسعال لا تعد ولا تحصى، دواءها من عيادة “الانروا” وفي بعض المشاريب الساخنة. ولا يخفي سكان مخيم الرشيدية فرحتهم بانحسار العاصفة بعبارة  “واخيرا . . طلعت الشمس”، ليس كرها بالشتاء والمطر، بل طلبا للدفء الذي فقدوه في العاصفة، تشرع الشبابيك، وتدخل اشعة الشمس الى المنازل.

“المخيم ما بلبقلو الشتا”، قالتها احدى النساء وهي تحاول ترميم السقف الذي خان المنزل في الشتاء وتآمر مع المطر وسمح له بالدخول الى البيت.

 تتكرر مآساة الشتاء في مخيم عين الحلوة فما ان يحل الفصل حتى تتضاعف معاناة السكان وتتفاقم الأوضاع المأساوية التي يعانون منها، ويقفون عاجزين في ظل الظروف السيئة التي عاشوها طيلة ٧٠ عاماً فهم لا يمتلكون مقومات مواجهة الشتاء في غياب المنظمات والجهات الداعمة.

للدخول إلى المخيم يجب أن تتهيأ جيداً للسباحة داخل مستنقعات الطين في الشوارع، وغالباً ما تؤدي الأمطار إلى انسداد مجاري الصرف الصحي في حي عمقا على الشارع التحتاني الملاصق لمسجد الجميزة، مما يتسبب بدخول المياه إلى بعض المنازل والمحلات التجارية.

في لقاء مع بعض سكان المخيم قالت السيدة أم إبراهيم: “نحن نعيش في بيت سقفه من الزينكو، انا وابني المعوق وزوجي، كما أن البيت غير آمن، كما هو الحال كلما أمطرت السماء تتسرب المياه إلى الداخل، أحاول منعها دون فائدة. سئمت هذا الوضع. وفي فصل الصيف الوضع ألعن، يتحول بيتنا الى جهنم وتكثر الحشرات والقوارض “بالصيف حريق وبالشتا غريق”. وقال الحاج أبو محمود: “لم أعد أقوى على التحمل، منزلي طاف بالأمطار، وتدخل بعض الجيران لفتح مجاري الصرف الصحي وإخراج المياه”، مضيفاً أنه مع كل شتاء “نغرق في الأمطار ولا أحد يسأل عنا”.

 يقول ابو محمد جندول: “بسبب الإشتباكات المتكررة في المخيم تعرض “الزينكو” للرصاص والشظايا ما تسبب في فتحات كبيرة فيه، حاولت مع زوجتي إصلاحه تارة بالسيلكون أو بإذابة الفلين بالبنزين وتارةً أخرى بوضع النايلون فوق السطح لكن دون جدوى، ما أن تمطر الدنيا حتى تتدفق مياه الشتاء إلى داخل البيت متجاوزة كل الحلول، نحتاج الى قارب صغير للتنقل من غرفة إلى أخرى”. وتعلق زوجته أن أمطار الشتاء أتلفت مكتبتها وتشير الى انه حتى لو كان الطقس صحواً يتعرق سقف المنزل ويرشح السقف ماءً. ويتطرق نزار عوامة إلى إنسداد قنوات الصرف الصحي بسبب عدم تنظيفها قبل فصل الشتاء من الأوساخ والأتربة التي تحول دون تصريف مياه الأمطار، ما يؤدي إلى دخول المياه إلى البيوت الأرضية.

 طالب الأهالي والتجار المتضررين بتدخل اللجان الشعبية والتواصل مع مهندسي مشروع البنية التحتية والصرف الصحي لمعالجة الوضع سريعاً، وإعادة النظر بإصلاحات ومواصفات المشروع. من جهته أفاد مدير الخدمات في مخيم عين الحلوة  عبد الناصر السعدي، أن الأنروا أقرت برنامجاً لتحسين وترميم المساكن ، كما “كلفتنا بدراسة ميدانية للمنازل المحتاجة في منطقة خدماتنا” وتمت زيارة هذه المنازل، وأعد فريق العمل تقريراً مفصلاً عنها، لكن مع تراجع خدمات الأونروا لم يعد بالإمكان إستكمال الإجراءات وترميم كافة المنازل المذكورة في التقرير. وفي المحصلة يبقى التعويل على الجهات المعنية والجمعيات في الإلتفات لمعاناة سكان المخيم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل تفاقم الأزمة.

في مخيم الجليل، في بعلبك يسبب الشتاء والبرد القارس وسقوط الثلوج اضرارا كبيرة تسفر عن تقطع الطرقات، وتزيد من صعوبة وصول الاحتياجات اليومية الى المخيم يترافق ذلك مع شح العديد من السلع الرئيسية وارتفاع أسعارها بما في ذلك المواد النفطية.

بانقطاع الطرقات تعود الحياة البدائية الى المخيم ويبدأ الناس باستخدام الشموع في الليل ومصابيح الكاز والمشي لمسافات طويلة لجلب حاجاتهم التي لا تتوفر في المخيم بسبب انقطاع الطرقات. كما يعاني طلاب المدارس من تقصير كبير في المنهاج بسبب إغلاق المدارس وعدم قدرة الطلاب على الوصول الى مدارسهم وغياب التعويض في ايام اخرى.

حاجة الاهالي للعمل اليومي الذي يؤمن قوتهم ويسد رمقهم حاضرة في مناخات معاناة الشتاء ففي هذه الايام تتوقف الحياة ويلتزم الناس بيوتهم قرب المدافئ، وتختفي القطط التي تجوب المخيم في ايام الدفء. لتصبح المخيمات وبعلبك مدينه أشباح، بياض يغطي الأرض وشوارع خالية من كل شيء ومراكز تجاريه مغلقة، جل ما يفعله سكانها في هذه الاوقات هو انتظار مرور الايام لعودة الحياة الى طبيعتها.

لا يختلف الامر كثيرا في مخيم نهر البارد فقد أدى تساقط الامطار الغزيرة إلى تجمع المياه وفيضان الصرف الصحي في البركسات الجديدة داخل المخيم مما تسبب في اعاقة حركة سكان الحي في الدخول والخروج واحدثت المياه اضرارا في الاثاث في الطوابق السفلية من الابنية.

وفي المخيم القديم ادى انفجار انبوب مياه للاونروا إلى اضرار في احد الشوارع وغرق منزل بالمياه.

“فوق الموت عصة قبر” هذا هو حال المخيمات في فصل الشتاء، تراكم الاوجاع والمآسي، ومحاولات بائسة للتأقلم مع الوجع. وبالرغم من كل شيء يبقى هناك حيز للامل الذي سينبت من قلب اليأس كما ستشرق الشمس بعد كل عاصفة على اصل الحكاية.

مشاركة