أيقونة الفعل الثوري
الأحد 1/04/2018صيدا – شبابيك أنس العلي
لم تستطع الانكسارات التي مر بها الوعي الفلسطيني خلال العقود الماضية أن تمحي بصمته من أذهان ووجدان أجيال من الشباب الفلسطيني المتطلع لحريته وكرامته.
ولد وديع حداد في مدينة صفد العام 1927، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقي تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في المدينة.
يقول عنه معلموه والذين زاملوه على مقاعد الدراسة أنه تميّز بالذكاء المتقد والنشاطه المتميز والتفوق في مادة الرياضيات، كما كان يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضية أخرى.
اضطر لمغادرة بلاده واللجوء مع عائلته ووالده إلى بيروت عام النكبة، وفي هذه الأثناء التحق بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.
دفعه حس المسؤولية للانخراط في نشاطات اغاثة أبناء شعبه المشردين وانضم لاحقا الى جمعية “العروة الوثقي” التي بدأت تلعب دورا سياسيا بعد انخراط الشباب القومي المتحمس. وسرعان ما تصدر “هيئة مقاومة الصلح مع اسرائيل” والتي تم تشكيلها من قبل “الشباب العربي القومي”.
بدأ وديع نشاطه السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية وانتقاله الى الاردن حيث التحق برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه الى هناك، ليقيما معاً العيادة المجانية إلى جانب عيادتيهما، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي النشاط الوطني والقومي وليس الطبي. وفي اطار نشاطهما قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية وتمكنا من النفاذ إلي نادى “المنتدي العربي” الذي يعد أحد المنابر التي انطلق منها نشاط الحركة.
توجت تلك التوجهات ببلورة نواة حركة القوميين العرب في الأردن، واستطاعت هذه النواة في وقت قياسي المساهمة بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية ضد مشروع “تمبلر” ومشروع حلف بغداد.
كان وديع حداد من ضمن الذين ألقي القبض عليهم بعد حل حكومة سليمان النابلسي عام 1957 حيث أودع في المعتقل الصحراوي المعروف بسجن الجفر.
مكث حداد ثلاث سنوات في معتقل الجفر الصحراوي، وبعد جهود مكثفة أفرجت السلطات الاردنية عنه، وخلال وجوده في المعتقل مثل الدكتور وديع نموذجاً وقدوة لكافة القوى، ولم ينس رسالته الانسانية والجماهيرية، حيث قام وخلال سجنه باغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة.
بعد الافراج عنه التحق حداد بمقر الحركة في دمشق حيث انخرط في دورة عسكرية، وثر عملية الانفصال بين مصر وسوريا، انتقل الى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني، وفي مرحلة لاحقة تولى مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً وعلى المستوي الفلسطيني كان وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني.
زادت هزيمة حزيران 1967 من اندفاعه وحماسه لممارسة الكفاح المسلح، وكان مشدوداً لإنشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية علي شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر، ولإخراج هذه الفكرة إلي حيز الوجود، قام الشهيد حداد مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية، و”طلائع حرب التحرير الشعبية” (الصاعقة) وفشلت المحاولة.
اتجهت جهود الحركة بعد هزيمة 1976 نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطى وتتجاوز الأشكال والأساليب التي اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية، والتي ثبت عجزها عن مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
منذ تأسيس الجبهة تولى مهمات قيادية فيها حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي، وأثبت من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير، حيث جسد شعار “وراء العدو في كل مكان” بطريقة فاعلة.
وما زال هناك من يعتقد بان العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة والخط التكتيكي العسكري الذي قاده وديع حداد كانت ضرورة من ضرورات دفع القضية الفلسطينية الى واجهة الاهتمام العالمي وتعريف العالم بها.
قضى وديع حداد مسموما في ألمانيا الشرقية عام 1978 ليتوج واحدة من الاساطير التي خلدها النضال الوطني الفلسطيني وبقيت جوانب غموضها محل اهتمام الباحثين الفلسطينيين والعرب والعالميين.