logo
الأردن في خطر
الإثنين 21/04/2025
  • لميس أندوني

مفهومٌ أن تخشى الدولة الأردنية من أن تكون في أراضيها مجموعة تعدّ لعمليات مسلحة، كما أعلن بيان المخابرات الأردنية لحماية أمن البلد، تحضيراً لعمليات داخلية أو ضد إسرائيل، مع الفارق الأخلاقي والوطني، بين أعمال تخريبية داخل الأردن أو عمليات مقاومة ضد العدو الصهيوني. ولكنه غير مفهوم التحشيد والتحريض في الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي التي ترهب المواطنين، وتخوّفهم من خطر لا يعلمون تماماً حقيقته، وترهيب النشطاء من الانخراط في نشاطات تضامناً مع غزّة، خوفاً من التشكيك في انتمائهم.

بدأ التجييش أسابيع قبل الكشف عن “الخلية الإرهابية”، إضافة إلى تسريباتٍ متعمّدةٍ لكتّاب قريبين من الدولة بقرب الانقضاض على جماعة الإخوان المسلمين، والإيحاء بأن من يعارض مشكوكٌ في وطنيته. وكان متوقّعاً أن تبدأ جوقة الكتّاب كيل الاتهامات التي لم يخلُ كثير منها من تحريض إقليمي وعنصري مكشوف، لكنها لم تكن الجوقة المعتادة، بل انطلق انفجار إعلامي وإلكتروني تجاوز عدد كتبة التدخل السريع المعروفين إلى أسماء عشراتٍ تبرّعوا بتحليلاتهم وتقديمهم مبرّرات للدولة ليس لعقاب المتهمين فحسب، بل في رسالة إلى الجميع على نمط تهديد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بعد تفجيرات “11 سبتمبر” (2001) في نيويورك “إما معنا أو ضدنا”.

لن تخوض هذه المقالة في صحة الاتهامات من عدم دقتها، فليست هذه وظيفتي، لكن أسلوب الإخراج الصاخب والإقصائي، ينبئ، وأتمنى أن أكون مخطئة، بدخول عهد أقرب إلى الأحكام العرفية، بإعلان أو بدونه، وفرض الصمت حيال التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومة إسرائيل أياً كان منفذوه، فهامش الحرية الضيق الذي “تكرّمت” به الحكومة انتهى، ويجري تأديبنا، أو تأديب من يجرؤ ويعارض، ولو باليسير من النقد.

الوهم الذي يصدّره عشرات المختصين والمعلقين على قنوات التلفزيون الأردني، وبعضهم على فضائيات عربية، يكرّرون هجومهم على “الإخوان المسلمين” إنذاراً بنهاية وجودهم السياسي في الأردن، وإن كان الخطاب السائد هو الرواية الوحيدة التي يحظُر طرح الأسئلة أو التساؤل حيالها، حتى لو كانت من قبيل الاستيضاح والتوضيح.

لا يُنكر أن ثلاثة من المتهمين الـ16 ينتمون إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وإن كانت عائلاتهم ترفض الاتهامات بأن أبناءهم كانوا يحضرون لعمليات تخريبية داخل الأردن، ويصرون على أنهم كانوا يأملون التسلل للقيام بعمليات ضد إسرائيل، متأثرين بهول معاناة أهل غزّة وأهل فلسطين، فالأردنيون من جميع الأصول، خاصة العشائر، يعتبرون تهمة المقاومة شرفاً لهم، ويحتقرون تهمة الإرهاب الداخلي، ويعتبرونها طعناً في وطنيّتهم وتشكيكاً في حبهم وطنهم وفي شرفهم، فكلنا يذكر كيف احتفت قبيلة الحويطات، والأردنيون جميعاً، بابنهم ماهر الجازي، بعد استشهاده في محاولته الهجوم على جنودٍ إسرائيليين، فكل عشيرة تفتخر وتنشر عن تاريخها في القتال ضد الصهاينة. المستهجَن هو الضجة التي أحدثها الإعلام المحلي، والجيش الإلكتروني القريب من الحكومة، والسؤال هو: لماذا لم تتعامل الدولة بهدوء مع القضية واختارت التأزيم؟

واضح أننا دخلنا مرحلة سياسية في الإقليم، وليس فقط الأردن، فعدة دول عربية كانت تصارح الأميركيين برغبتها في القضاء على حركة حماس، لأن فعلها المقاوم يقوّي من شكيمة الإسلاميين، وبدا لها أن “حماس” انتهت قوة مقاومة وتنظيماً سياسياً، فجاءت اللحظة المناسبة للانقضاض على الإسلاميين، ليس من منطق الخوف من الإسلام السياسي فحسب، بل لأن الجناح السياسي للإخوان، جبهة العمل الإسلامي، قوة فعالة في تنظيم المسيرات المؤيدة للمقاومة وللشعب الفلسطيني، مع أن هذه المسيرات من المفترض أن تقوي موقف الأردن الرسمي ضد التهديدات الاسرائيلية وتعزّزه، فتاريخ الدولة الأردنية مع “الإخوان”، وإن مرّ بفترات صعود وهبوط، تخلّله من البداية تحالفٌ بين النظام والجماعة ضد المدّين، القومي والشيوعي، في خمسينيات القرن الماضي، وشجعت فتح مركز لتجنيد “المجاهدين” للجهاد في أفغانستان بدعم كامل من أميركا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

عادةً ما تلجأ الحكومات الأردنية إلى تفاهمات مع “الإخوان” وجبهة العمل الإسلامي في فترات الأزمات، واضح أن هذا قد انتهى، وإن كان لا يبدو أن الدولة درست تداعياته الداخلية، بل سمحت بحملة أنتجت استقطاباً حاداً في المجتمع، فإذا كان ذلك مطلوباً، خاصة من دول عربية غنية معروفة، فإنه يعني أن الأردن تحت ضغط شديد بعد وقف أميركا المساعدات عن معظم الدول، ويواجه تهديدات الرئيس الأميركي ترامب المتكرّرة. ولكن، لماذا قد يخاطر أصحاب القرار بإحداث شرخٍ اجتماعيٍّ في الأردن؟ فما شهدناه ونشهده من حملة تخرق القوانين وكل القواعد المهنية مثير للدهشة والخوف؛ فكيف تظهر أجزاء من التحقيقات المسجلة للمتهمين على قنوات التلفزيون، في مخالفة صارخة لقواعد المحاكمات النزيهة والأخلاق المهنية للصحافة. وهنا لن أكتفي بالقول إنها سقطة مهنية مهولة للإعلام الأردني، لأن المسألة أخطر من ذلك، بل حدث الاستحواذ على البرامج والأخبار وكل جوانب العمل الصحافي والتلفزيوني، بما يذكّرنا أن الصحافي الأردني الموظف في هذه المؤسّسات لا دور له غير التنفيذ، في وقتٍ يحاول الإعلاميون الحفاظ على عملهم ومصدر رزق عائلاتهم. لن أزاود على الزميل الذي قد لا يجد عملاً آخر إذا رفض، لكن هذا وضع نشهده عادة في دكتاتوريات مطلقة، وفي زمن الانقلابات السياسية والعسكرية، أي إغلاق أي مساحة عمل مهني للصحافيين.

لا يجوز التفريط بالتعدّدية في الأردن، فهي ميزة وضرورة لتطور النظام السياسي، بل كان الكلّ يأمل بتوسيع الحريات السياسية والإعلامية في الأردن، إذ لا يحتاج مثل هذه الإجراءات الغريبة، خاصة بعد برنامج “التحديث السياسي” في ضوء التسريبات عن إمكان حل البرلمان، وخشية المواطن من الاتهام بعدم الانتماء والخيانة. وقد يجد قرار تجريم تنظيم الإخوان المسلمين وحل جبهة العمل الإسلامي تأييداً من فئات في المجتمع الأردني تخاف من وصول الإسلام السياسي إلى السلطة، خاصة بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى الحكم في دمشق، لكن الاستثمار بهذه الهواجس يعكس قصر نظر خطيراً، لأن المسّ بالسلم الأهلي نتيجة خطواتٍ غير محسوبة يهدّد أمن الأردن واستقراره.

تتطلّب مواجهة التهديد الوجودي الصهيوني للأردن وطموحات إسرائيل، بل تشترط، الحفاظ على جبهة داخلية قوية متماسكة، أما التحريض والتحشيد فلا يبنيان تماسكاً داخلياً ولا موقفاً أردنياً قوياً أمام المشروع الصهيوني المتمدّد الذي لا يهمه الحكم ولا المعارضة، وما من مستفيد إلا إسرائيل.

أقولها، من باب التذكير وليس التنظير، إذ نحتاج عقلاء يفكّرون بدل السماح للضجيج بأن يدفع الأردن إلى طريق الاحتراب الداخلي الخطر.

  • عن العربي الجديد

 

 

مشاركة