logo
“الحل النهائي” للمشكلة الفلسطينية: منظور فلسطيني
الخميس 9/11/2023
  • علاء الدين أبو زينة

تتحدث الأدبيات الغربية في تاريخ اليهود الحديث عن «المشكلة اليهودية». وتشير «المشكلة اليهودية» إلى المواقف والسياسات «المعادية للسامية» السائدة في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم. وقد أدى هذا المفهوم التمييزي، كما تقول الأدبيات، إلى انتشار الاضطهاد والتمييز ضد الشعب اليهودي لعدة قرون، والذي بلغ ذروته في مجموعة من الأحداث المروعة مثل «الهولوكوست» النازي خلال الحرب العالمية الثانية.‏

وحسب هذه الأدبيات، ‏انتهت محرقة اليهود بهزيمة ألمانيا النازية في العام 1945، وأدت الفظائع التي ارتكبت خلال هذه الفترة إلى زيادة الوعي بمخاطر «معاداة السامية» والتمييز العنصري. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، تشكل إجماع عالمي على أن مثل هذه الفظائع يجب ألا تحدث مرة أخرى. وساهم هذا الوعي الجماعي، حسب الرواية الشائعة، في إقامة «دولة إسرائيل» في العام 1948، وتوفير وطن للشعب اليهودي. وتمضي الأدبيات إلى اقتراح أن أوروبا تبذل الجهود منذ ذلك الحين لتعزيز التسامح والتفاهم والقبول بين مختلف الجماعات الدينية والعرقية.‏

إلى هنا، تنتهي «المشكلة اليهودية» إلى حد كبير، حسب النظرة الغربية. ولكنْ، تبيّن أن لها ذيولاً ما يزال يترتب التعامل معها. فقد أدى إنشاء «دولة إسرائيل» في العام 1948، بعد نهاية الحكم البريطاني في فلسطين، حسب تلك الأدبيات، إلى نشوب صراع بين المجتمعات اليهودية والعربية في المنطقة. وأدى إنشاء «إسرائيل» إلى تشريد مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين، مما خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. واستمر هذا الصراع على الأرض والموارد والهوية الوطنية لعقود، خالقًا توترات عميقة الجذور بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

والحلّ؟ بذل محاولات غير مخلصة وفاترة للتوسط في سلام بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، أدت إلى شيء مثل «اتفاقيات أوسلو» في تسعينيات القرن العشرين. ولم ينجح حتى هذا الجهد الفاتر، وتبين أن التوصل إلى حل «شامل ودائم» للصراع بهذه الطريقة هو شيء بعيد المنال. وما تزال القضايا التي تقع في قلب الصراع، مثل الحدود واللاجئين والأمن ووضع القدس، بلا حل، مما يساهم في التوترات المستمرة في المنطقة.

هذه، أكثر أو أقل، هي خلاصة نظرة الغرب إلى المشكلة الفلسطينية. إنها عرَض جانبي لحل «المشكلة اليهودية»، وهي فقط «مشكلة لاجئين». وسوف تحل مشكلة اللاجئين نفسها بدمجهم في المجتمعات التي هم فيها. بل وبُذلت محاولات لإلغاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، (أونروا)، وشطب سجلاتها باعتبار أن اللاجئين فقط هم أولئك الذين خرجوا من فلسطين في العام 1948، في حين أن أولادهم وأحفادهم ليسوا لاجئين ولا يحق لهم المطالبة بالفلسطينية أو العودة.

ولكن، لم يتخل اللاجئون الفلسطينيون عن المطالبة بحق العودة، ولم ينجح الكيان في استيعاب الفلسطينيين في الوطن أو إلغاؤهم ثقافيًا وتاريخيًا، ولذلك أصبح الحل الذي يجري الحديث عنه كثيراً، والذي ليست هناك حتى نية لفرضه، هو منح الفلسطينيين دويلة على أقل من ربع وطنهم التاريخي، مع إنهاء مطالبة اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وتوطينهم حيث هم. وهو حل غير قابل للتطبيق بالنسبة للكيان الصهيوني، لأنه يتعارض مع الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية في نظر نظره: إبادة ما أمكن من الفلسطينيين المتبقين في فلسطين، أو تطهيرهم عرقيًا بكل السبل، ومحاولة إلغائهم تاريخيًا وثقافيًا، كلما وحيثما أمكن وما دام الكيان يمتلك القوة والدعم ليفعل ما يريد. وبذلك يكون الحل النهائي هو التخلص من المشكلة بالتخلص من أصحاب المشكلة جملة وتفصيلاً.

يتماهي الموقف العربي الرسمي، والفلسطيني «الرسمي» إذا كان الأمر يتعلق بحركة «فتح» التي تدعي قيادتها التحدث باسم الفلسطينيين، مع هذه روية «الدويلة» كحل للمشكلة الفلسطينية، من خلال المصادقة على أحقية الكيان في معظم مساحة فلسطين التاريخية، واستجداء أي مساحة وبأي شكل من الأرض الفلسطينية لإقامة كيان محاصر مجرد من السيادة، والأمن، والإرادة والمقومات. وحتى لو نشأت هذه «الدولة» المستحيلة مع الإصرار على «الحقائق على الأرض» التي يفرضها الكيان الصهيوني، فسوف تكون أرخبيلًا بلا شكل من الجزر المعزولة وسط الطرق الالتفافية والمخصصة «لليهود فقط» والحصار العسكري الصهيوني.

هذه الرؤية السائدة، عالميًا وعربيًا وفتحاويًا – وإنما التي لا تمثل رؤية معظم الفلسطينيين – تستسلم لاعتبار الفلسطينيين قلة من الناس المساكين المهلهلين الجديرين بالشفقة. ولذلك حبذا لو مُنحوا كوخًا متداعيًا رثًا وبلا سقف عند باب حديقة القصر، التي هي والقصر في الحقيقة ملكهم التاريخي الذي يحملون مفاتيح غرفه وسندات ملكيته. لكن الحقيقة التي لا يريد أحد أن يعترف بها هو أن هذا ليس حلاً نهائيًا للمشكلة الفلسطينية إلا بمقدار اختزال الفلسطينيين كشعب، وإخراج معظمهم من الملة، وإنهاء مطالباتهم المحقة والوجودية بوطنهم التاريخي، عن طريق الاستقواء غربيًا، والخذلان والتواطؤ عربيًا، والخيانة السافرة فلسطينيًا.

  • عن الغد الأردنية
مشاركة