البيان الرئاسي لمجلس الأمن: الإدانة للمقاومة الفلسطينية والاستياء من بناء المستوطنات
السبت 25/02/2023- عبد الحميد صيام
بعد صدور البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي صباح الاثنين الماضي، وقف ستة من السفراء العرب خارج قاعة مجلس الأمن لتوضيح أو تبرير التراجع عن مشروع القرار، والاكتفاء بصدور بيان رئاسي. وراح بعضهم يسهب في شرح أهمية صدور هذا البيان بالإجماع حول الاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، لأول مرة منذ 2016 عندما اعتمد القرار 2334 الذي طالب بوقف الاستيطان تماما.
في البداية أؤكد بكل ثقة، أن الذي قرر سحب مشروع القرار قبل التصويت عليه وقبول البيان الرئاسي هي السلطة الفلسطينية وحدها، التي ساومت على سحب مشروع القرار مقابل وعود أمريكية، بعد اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بالرئيس محمود عباس في نهاية الأسبوع. وقد ذكرت من اليوم الأول عندما تم توزيع المسودة الأولى لمشروع القرار، أن الولايات المتحدة تسعى لاستبداله ببيان رئاسي، إذ كنت أحس ومن تجربتي الطويلة، بأن الحلقة الأضعف هي السلطة، التي رهنت قرارها وتمويلها وأمنها في يد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وأي محاولة تجميلية للبيان الرئاسي هو ذر للرماد في العيون، ودفاع بقرون من طين. قرار التراجع اتخذ في رام الله، بعد الاتصال الأمريكي المذكور ووحده من يتحمل المسؤولية. وأود أن أضع القراء العرب في صورة ما حدث بموضوعية، وأتحدث عن الشكل والمضمون في ما ذكر في مشروع القرار الذي استبدل بالبيان الرئاسي، وسأوضح لماذا لا تريد الولايات المتحدة أن تطرح مشروع القرار للتصويت.
الفرق بين القرار والبيان الرئاسي
تصدر عن مجلس الأمن أربعة مخرجات: قرار، بيان رئاسي، بيان صحافي وأخيرا عناصر بيان صحافي. والقرارات تنقسم إلى قسمين، قسم يصدر تحت البند السابع وهو واجب الإلزام والتنفيذ والفرض، حتى لو استخدمت القوة، والنوع الثاني من القرارات هي التي لا تصدر تحت الفصل السابع، ويفهم ضمنا أنها تحت الفصل السادس، من دون ذكر الفصل وهي ملزمة لجميع الأعضاء حسب البند 25 من ميثاق الأمم المتحدة وتحمل وزنا قانونيا لا يموت بالتقادم، ويثبت في أرشيف ووثائق الأمم المتحدة ويصبح مرجعية لما يترتب عليه من إجراءات، أو قرارات، أو سياسات لاحقة. أما البيان الرئاسي فلا يحمل قوة قانونية، ولكنه يعبر عن موقف موحد للمجلس، ويدخل ضمن أرشيف المجلس فقط. وبما أنه لا يصدر إلا بالإجماع، فاللغة عادة تهبط فيه إلى نقطة تتقاطع فيها المواقف السياسية للدول الخمس عشرة. وقد جرت عدة محاولات لإصدار بيان رئاسي حول موضوع شهداء مسيرات العودة، إلا أن الولايات المتحدة أثناء إدارة ترامب عطّلت ذلك. أما البيان الصحافي فلا يعني أكثر من كونه موقفا موحدا لمجلس الأمن يعرض على الصحافة، وإذا لم يتفق على البيان الصحافي يخرج رئيس المجلس، ويذكر النقاط التي اتفق عليها فقط، والتي لم تكتمل لتشكّل بيانا صحافيا.
لماذا لا تريد الولايات المتحدة استخدام الفيتو الآن؟
قد يسأل أحد وهل يضير الولايات المتحدة أن تستخدم الفيتو مرة إضافية، بعد أن استخدمته لخمس وأربعين مرة لحماية الكيان الصهيوني؟ والجواب نعم الولايات لا تريد الآن استخدام الفيتو لثلاثة أسباب:
أولا- لأن الجمعية العامة اعتمدت قرارا في 26 نيسان/أبريل الماضي بالإجماع، بضرورة مساءلة كل دولة تستخدم الفيتو. على سفير تلك الدولة أن يجلس أمام الجمعية العامة خلال عشرة أيام لتوضيح موقف بلاده أمام 192 دولة، والرد على تساؤلاتهم. لقد تم اعتماد ذلك القرار أصلا لإحراج الاتحاد الروسي وهو يستخدم الفيتو وراء الآخر في موضوع أوكرانيا ومن قبلها سوريا. لكن الفخ الذي نصبوه لروسيا قد يطبق فكيه أيضا على الولايات المتحدة في حالة ما استخدمت الفيتو وهو ما لا تريده الولايات المتحدة؛
ثانيا- لأن أمريكا تنتقد تعطيل مجلس الأمن في موضوع أوكرانيا من قبل روسيا بسبب الفيتو، ولا تريد الآن أن تتساوى مع روسيا ويقال لها أنت أيضا تعطلين دور المجلس باستخدام الفيتو، فما الفرق بين روسيا وأمريكا ـ كلتاهما تعطلان دور مجلس الأمن؛ ثالثا- سيكون توقيت الفيتو غير مناسب، في وقت يصل مستوى التوتر في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى أعلى مستوى، خاصة مع اقتراب شهر رمضان. فاستخدام الفيتو سيضع الولايات المتحدة في صف الكيان الصهيوني بكل وضوح، وسترتفع نسبة الحنق والإحباط من الولايات المتحدة، وقد تترجم إلى تحريض في العالم العربي والإسلامي والعالم ضد الولايات المتحدة.
التراجع عن مشروع القرار واستبداله ببيان رئاسي
وزعت المسودة الأولى لمشروع القرار يوم الأربعاء 15 شباط /فبراير، أجريت عليه بعض التعديلات وأقحمت فيه فقرة تدين الإرهاب، ثم دخل يوم الجمعة فترة الصمت التي تنتهي السبت الساعة الثالة بعد الظهر بتوقيت نيويورك. قامت بريطانيا بكسر الصمت قبل انتهاء الفترة، أي إعادة مشروع القرار للمفاوضات. فوجئنا بعدها بسحب مشروع القرار واستبداله ببيان رئاسي. والفرق بين المخرجين كبير جدا. تغيرت اللغة بين النصين وهبط البيان في مستواه وتحول إلى إدانة للمقاومة الفلسطينية بدل أن يكون إدانة للاستيطان. فقد جاء في البيان «يعرب المجلس عن قلقه واستيائه العميقين من إعلان إسرائيل في 12 فبراير 2023، عن المزيد من عمليات البناء والتوسع في المستوطنات و«تقنين» البؤر لاستيطانية». استياء وقلق بدل الإدانة.
– كما أقحم في نص البيان «حق جميع الدول في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها دوليا»، ولا نعرف أين حدود تلك الدولة المسماة إسرائيل.
وتابعوا معنا هذه الفقرة الخطيرة التي دخلت لغة البيان: «يدين مجلس الأمن جميع أعمال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك الأعمال الإرهابية، ويدعو إلى تعزيز الجهود الجارية لمكافحة الإرهاب بطريقة تتفق مع القانون الدولي، ويدعو جميع الأطراف إلى إدانة جميع أعمال الإرهاب بشكل واضح والامتناع عن التحريض بالعنف، ويكرر التزام جميع الأطراف في ما يتعلق بمتابعة المساءلة عن جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين، ويذكر بالتزام السلطة الفلسطينية بالتخلي عن الإرهاب ومكافحته».
فالبيان يذكر كلمة إرهاب أربع مرات، والمقصود به هنا أي نوع من أعمال المقاومة ضد الاحتلال، ثم يطالب السلطة الفلسطينية «بالتخلي عن الإرهاب ومكافحته»، ما يعني ضمنا أنها ضالعة في الإرهاب، وأن مهمتها الحالية هي مقاومة ما يسمونه الإرهاب، أي ليس فقط التنسيق الأمني بل القيام بقتل أو اعتقال أو التعاون في قتل أو اعتقال كل المقاومين الفلسطينيين، الذين يرفضون الذل والرضوخ والاستسلام. وحسب التعريف الإسرائيلي، كل فلسطيني إرهابي حتى تثبت إدانته وكل قول أو فعل له علاقة بفلسطين فهو إرهاب. كما يطالب البيان «التزام الهدوء وضبط النفس، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية والتحريضية والخطاب التحريضي، بهدف جملة أمور منها تهدئة الوضع على الأرض، وإعادة بناء الثقة». والمقصود هنا أي حديث أو خطاب أو أغنية أو نشيد أو مسيرة ضد الاحتلال. مثلا تسمية الشهيد بالشهيد تحريض، والمسيرات الجماعية في جنازته تحريض وخطابات التعزية تحريض وانتقاد إسرائيل على جرائمها تحريض. مطلوب من الفلسطينيين أن يسموا الشهيد قتيلا وإرهابيا وأن يحاكموا كل من يقوم بعمل مقاوم أو تعبئة ضد الاحتلال.
الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أن مشروع القرار الأصلي كان جيدا في مجمله مع تكرار بعض الجمل العمومية المتعلقة بمناهضة الإرهاب بشكل عام، لكن كان في جله موجها ضد الاستيطان ومستذكرا كل القرارات السابقة، خاصة القرار 2334 (2016)، أما البيان الرئاسي، فقد تحول إلى قيود وإدانة للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، يطالبهم بالسكون وتجرع الذل ويحوّل القيادة الفلسطينية إلى جهاز ضبط وتحكم وتهدئة وتصدٍ للفلسطينيين لا ضد الاحتلال. ما جرى في نابلس يوم الأربعاء الماضي في وضح النهار وعلى مرأى من العالم قد يكون أول ثمار «التخلي عن الإرهاب ومقاومته»، كما جاء في نص البيان.
- عن القدس العربي