logo
التسول المبطن يعري الأونروا في لبنان
الإثنين 27/01/2020

بيروت ـ شبابيك

نشرت صحيفة “القدس العربي” اللندنية تقريرا لمراسلها في بيروت عبد معروف حول ما وصفه “التسول المبطن” وإستعرض من خلاله الأوضاع في المخيمات والأطراف المفترض أن تتولى الحد من تفاقم الأزمات المعيشية للاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان وفيما يلي نص التقرير:

إنتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التسول المبطن داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأطلقت النداءات وإرتفعت أصوات المرضى والمحتاجين والفقراء عبر مواقع التواصل الإجتماعي، طالبين من الأيادي البيضاء، أو فاعلي الخير، مساعدات مالية وعينية لإجراء عملية جراحية أو شراء دواء أو مواد غذائية، في ظل الفقر المدقع وإرتفاع نسبة العوز والبطالة وغياب المؤسسات المعنية والمسؤولة عن معالجة هذه الظاهرة التي عمت المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان.

وصارت هذه الظاهرة مصدر قلق وخوف من أن تشكل، خطرا إجتماعيا، لا يمكن التنبؤ بإنعكاساتها على كرامة وطبيعة حياة اللاجئ الفلسطيني خلال المقبل من الأيام. وحذرت شخصيات ومؤسسات فلسطينية معنية بحقوق اللاجئ الفلسطيني في لبنان من إنتشار هذه الظاهرة، وأطلقت مبادرات فردية وجماعية من أجل تقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين للحد من التسول المبطن.

وأكد الكاتب الفلسطيني يوسف أحمد أن للاجئين الفلسطينيين في لبنان ثلاث مرجعيات: الأونروا والدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكل منها وظائفها الخاصة، ولا يمكن الخلط بين وظائف وإختصاصات هذه المرجعية وتلك. بل أن بعض الخدمات هي حصرا من مسؤولية الدولة اللبنانية كحق التملك والعمل، فيما تتحمل وكالة الأونروا مسؤولية الإغاثة والتشغيل وتقديم الخدمات الإجتماعية والصحية والتعليمية، كما يقع على عاتق منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب دورها السياسي والمرجعي والوطني الإسهام

أيضا من خلال مؤسساتها وإتحاداتها المتعددة في توفير مقومات الصمود للاجئين وتوفير الخدمات التي لا تندرج ضمن مسؤوليات الأونروا والدولة اللبنانية.

نظرة سريعة على ما تقدمه المرجعيات الثلاث للاجئين الفلسطينيين في لبنان نستطيع أن نلحظ بشكل مباشر تخلي الدولة اللبنانية عن واجباتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين من خلال إستمرار حرمانها لهم من حقوقهم الإنسانية والإجتماعية ولا سيما حق العمل والتملك، كما نستطيع أن نلحظ أيضا تراجع مساعدات وكالة الأونروا وإتخاذها سياسة تقليص الخدمات منذ بدء مشروع التسوية في بداية التسعينيات، والتي وصلت في السنوات الأخيرة لمستويات مخيفة، حيث طالت تقليصاتها معظم البرامج، فأوقف باب التوظيف، وأُلغيت العديد من برامج الإغاثة، وتراجعت التقديمات الصحية إلى جانب التراجع في برنامج التعليم، وهذا الحال يسحب نفسه على منظمة التحرير الفلسطينية التي تعيش إتحاداتها الوطنية حال من الشلل منذ خروج المنظمة من لبنان وإقفال العديد من المؤسسات التشغيلية وتراجع تقديمات مؤسسة الهلال وغيرها من الخدمات التي حرم منها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.

خطورة واقع اللاجئين

هذا الواقع، أسهم بتفاقم مشكلات وأزمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولعل الدراسة الأخيرة للجامعة الأمريكية والأونروا تؤكد خطورة واقع اللاجئين، حيث أظهرت الدراسة أن ما نسبته 56 في المئة من الشباب والمهنيين الفلسطينيين في لبنان عاطلون عن العمل. وإرتفاع نسبة الفقر بين اللاجئين تقارب 42 في المئة. وعلى الصعيد الصحي، وجد الباحثون أن نسبة 72 في المئة من العائلات تعاني من إصابة أحد أفرادها بمرض مزمن، أو أكثر. وتسجل لدى نسبة 15 في المئة منها إعاقة واحدة على الأقل، ولدى نسبة 41 في المئة نوع من الكآبة المزمنة. وتبلغ نسبة المصابين بمرض مزمن من اللاجئين 31 في المئة أي حوالي ضعف الرقم اللبناني الذي يبلغ 17 في المئة.

أمام هذا الواقع، وأمام تقصير المرجعيات والجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات للاجئين، بدأت تظهر في السنوات الأخيرة بعض المبادرات الفردية، ونداءات الإستغاثة التي يطلقها ناشطون في المخيمات لتقديم المساعدة والتبرع لهذه العائلة أو ذاك المريض، فالعجز عن

دفع تكاليف العلاج أصبح شائعاً، بسبب إرتفاعه من جهة، وإنخفاض المستوى المعيشي للاجئين من جهة ثانية، ومع إشتداد حدة الأزمة الإقتصادية والمعيشية في لبنان بتنا نشهد أيضا نداءات الإستغاثة لتقديم المساعدة لتوفير الطعام أو إيجار المنازل لبعض العائلات في بعض المخيمات. وقد أظهرت العديد من النداءات والحملات الإنسانية روح وحجم التضامن والتكاتف الإجتماعي والإنساني رغم قساوة الظروف والواقع المعيشي الصعب للاجئين الفلسطينيين.

ومن نافل القول في هذا المجال، أن صعوبة الوضع الإقتصادي والمعيشي والصحي للاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، لم تعد تكفيه المبادرات الفردية، على إيجابياتها، ولا يجوز أن يوضع اللاجئ الفلسطيني في موقع المتسول للقمة عيشه ولصحته أو يموت على أبواب المستشفيات بسبب عدم توفر تكاليف العلاج لديه.

لقد بات الأمر يتطلّب رؤية مشتركة لكل ألوان الطيف السياسي والإجتماعي الفلسطيني للنهوض بالواقع الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي الذي بات يشكل خطرا على حياة ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، وهذا بالضرورة يفرض على المرجعيات المعنية في الأونروا والدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية تحمل مسؤولياتها والقيام بدورها المطلوب في توفير الحياة الكريمة للاجئين ودعم صمودهم ونضالهم لحين العودة إلى ديارهم في فلسطين وتطبيق القرار 194.

وقال علي هويدي، مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين لـ”القدس العربي” معلقا، إن الأمم المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة لما وصل إليه اللاجئون الفلسطينيون عامة وفي لبنان خاصة من أوضاع مأساوية. وطالب الأمم المتحدة بتوفير الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين، لا بل هي واجبة إلى حين عودتهم إلى بيوتهم في فلسطين وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم 194 لتاريخ 11/12/1948 الذي أكد على حق العودة والتعويض وإستعادة الممتلكات، وبالتالي أي ظروف إقتصادية وإجتماعية خانقة يمكن أن يمر بها اللاجئ الفلسطيني كما هو حاصل الآن في لبنان، واجب على الأمم المتحدة التدخل العاجل من خلال دعم وكالة “الأونروا” التي أنشأتها في سنة 1948 خصيصاً للاجئين الفلسطينيين من دون سواهم من اللاجئين لتلبية جميع الإحتياجات الضرورية من

خدمات الصحة والتعليم والإغاثة وغيرها من لا أن يترك اللاجئ يطالب بحقوقه المشروعة كالمتسول على الأبواب.

المسؤولية دولية

وعلى أهمية المساعدات التي تقدمها الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المحلية والإقليمية والدولية للاجئين، إلا أن هذا لا يكفي على الإطلاق والمسؤولية يجب أن تكون دولية. وبإعتقاد هويدي، أن الحماية الدولية تشمل المساعدات الإنسانية بما يكفل للاجئين كرامتهم الإنسانية وحقوقهم الأساسية من مأكل وملبس، ومأوى ورعاية صحية، وتعليم، بالإضافة إلى الحماية القانونية.

ولكن للأسف ما هو مقدم من “الأونروا” لا يتعدى الحماية الإنسانية غير المكتملة التي تقدمها من خلال برامج الصحة والتعليم والقروض، والحماية القانونية غير المكتملة التي تقتصر على تقديم الإستشارات القانونية فقط، وبغياب كامل للحماية الجسدية وهو ما يشجع الدول أن تتعاطى مع اللاجئ الفلسطيني وفق ما تراه مناسبا وليس ضمن أنظمة وقوانين محددة.

وبالتالي وللأسف تخضع معاملة اللاجئ الفلسطيني في لبنان إلى التركيبة والتوازنات الطائفية، والخوف الدائم من التوطين، إذ تعلل غالبية الطبقة السياسية اللبنانية بأن عدم إعطاء اللاجئ الفلسطيني حقوقه الإقتصادية والإجتماعية (التعليم، والتملك، والإستشفاء، والعمل، وإنشاء المؤسسات) هو لصالح اللاجئ الفلسطيني نفسه كي لا يندمج في المجتمع اللبناني وبالتالي ينسى حقه في العودة، وهذا مخالف للواقع. إذ أن تجربة فلسطينيي سوريا مثلاً وفلسطينيي الأردن شاهد حي، إذ أن الأول يحصل على الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثاني يحصل بالإضافة إلى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية على الحقوق السياسية، وما زال يتمسك بحقه في العودة إلى بلاده.

المخاوف ليست فقط من التداعيات الإقتصادية والإجتماعية والتي أشار إليها المسح الإقتصادي والإجتماعي الذي نفذته وكالة “الأونروا” على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سنة 2015 بأن نسبة البطالة وصلت إلى 56 في المئة أو نسبة الفقر إلى 71 في المئة

بالإضافة إلى إزدحام سكاني في المخيمات زاد عن 400 في المئة منذ النكبة مع مساحات جغرافية للمخيمات بقيت على حالها منذ نشأتها في العام 1948 وإنما أيضا هناك المخاوف الأمنية، خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار وجود ما يقارب من 30 ألف لاجئ فلسطيني مهجر من سوريا إلى لبنان ويقيمون في المخيمات، ما يفاقم من صعوبة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي هي صعبة أصلاً.

الدعوة الآن وبعد الأزمة اللبنانية التي طحنت اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات وأوصلت نسبة البطالة في أوساطهم إلى ما يزيد عن الـ 80 في المئة بأن تأخذ “الأونروا” دورها وتوفر ما يلزم من إحتياجات صحية وتعليمية وإغاثة للاجئين في أسرع وقت من خلال إطلاق نداء طوارئ عاجل، فهي أي الوكالة أحد الشرايين الهامة التي تساعد اللاجئ على الإستمرار في الحياة في المخيمات، لكن للأسف لا خدمات كافية من “الأونروا” تترافق مع عدم توفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية من الدولة المضيفة والتي حتماً ستنعكس على الوضع الإنساني والأمني للاجئين، والذي سيتضرر منه ليس فقط اللاجئ بل الجميع.

مشاركة