logo
“بقايا رغوة” وبقايا ذاكرة مستكينة
الجمعة 28/01/2022

  • مروان عبد العال

(إذا كان الناس يفضلون في بعض الأوقات تذكُّر الأيام الجميلة من الماضي فإن الأيام القاسية يصبح لها جمال من نوع خاص، حتى الصعوبات التي عاشوها تتحول في الذاكرة إلى بطولة غامضة، ولا يصدقون أنهم احتملوا ذلك كله، واستمروا بعد ذلك!) هذا ما كتبه “عبدالرحمن منيف”. في رواية (الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى). كذلك يعبر بنا جهاد الرنتيسي الى ذاكرة قاسية ولكن بنكهة خاصة، في مرحلة نضالية متغيّرة محفوفة بالاحلام الكبيرة وبالانكسارات والخيبات، وذاك اصداره الجديد ” بقايا رغوة”  عن دار البيروني للنشر والتوزيع.

 رواية ممتعة تفتح ممرات متعددة في الذاكرة الوطنية وعلى مدى 123 صفحة من السرد السلس والذكريات المتناسلة من تواريخ وامكنة واشخاص والمنعطفات الحادة للقضية الفلسطينية ومحورها الكويت، في دائرة افقية، تمر على بيروت وعمان ودمشق ، تتغلغل عامودياً في اعماق النفس وتترك بصماتها من علاقات وصداقات سياسية تركت جراحاتها في حيوات محفوفة بالنزوح والتيه والمنفى والتشّوه ، ولم يستطع الحب بكل ما فيه من شغف أن يداوي هذا الضياع.

ذاكرة عابرة للمدن حيث يغوص في تفاصيلها الترحالية والعابرة من حارات وارصفة وفنادق ومقاهي، اوطان مفترضة والجغرافيا المتنقلة بين كائنات بشرية قلقة، او مباني هشمتها الحروب، كما ورد في الصفحة 108 “أظنني فقدت العلاقة مع المكان، تتجاهل رنين الهاتف، شعرت في احيان كثير انني اتحرك في الفراغ، تطلب من فيكي الرد على المتصل، انهار بعض روحي مع قصف بناية رحمة.، نظرات ريما توحي بتركيزها…” هكذا و بعد ان ضاقت رقعة النضال واشتد الخناق.

تمتد صارية السفينة نحو شخصية مجبولة بشخصيات بطولية واسطورية، مثلت الجانب المليء الذي شكل رمزاً نقيضاً للانحدار السائد في ذاك الزمن فكان ماجد ابو شرار و ناجي علوش وابو صالح وابو ماهر اليماني وغسان كنفاني ويعقوب زيادين وغيرهم. لم ينس الشخصيات السلبية التي مثلت النصف الفارغ من الكأس وشكلت نموذجاً للفساد والاستبداد والهوان الوطني.

العالم السردي للروائي جهاد الرنتيسي، عالم سهل اللغة ولكنه يستنهض الغائب و المنسي وغير المفكر فيه في البنى الاجتماعية والسياسية والتنظيمية، التي تتحرك في إحداثياتها شخصياته الروائية النسائية والهامشية والمتمردة، وغير الملفت إليها!.. في التجربة النضالية الفلسطينية والتي تغادر إلى مواقع مركزية!

عالم جهاد غني بحكاياه الواقعية، وجدناه يلهو بالرغوة الشبيهة بغيمة مشبعة بمواسم المطر الموسمي، يوزعها على الازمنة كأنها بقايا أسئلة، عن الهوية والماهيّة وثنائيّة شرعية الحلم وشرعية الواقع، في حبكة فنية، ترسم حدود العلاقات القاتمة بل لعلّها ما أفلحت ليس في عكس روح الكاتب فقط بل سيرة جماعية تفاعلية، مؤشر الصعود والهبوط للمعادل الموضوعي الفلسطيني دون أنتصارات وهمية، فجاءت بقايا ذاكرة مستكينة، لم تكتمل ولكنها تبشر بنقد عميق وموعود يختزن بالمشاعر الانسانية الصادقة والموازية والمتماهية في زمن غير واقعي! وخاصة كما علمت انها الجزء الاول من رباعية، ودائما استهلال الحديث كبداية تحقق أمنية الكاتب كما ذكر بقوله؛ “اتمنى ري البذرة التي القاها غسان كنفاني في وعي صحرته الحياة الاستهلاكية في تلك البلاد، لم تغب قصة الخزان عن الذهن خلال رصد الحياة اليومية لفلسطينيي الكويت”.، حينها يتم ما بدأه “عبد الرحمن منيف ” أن ابناء البطولة الغامضة لا يصدقون أنهم احتملوا ذلك كله، ولكنهم استمروا بعد ذلك!

مشاركة