logo
الفلسطينية التي غرست حب العرب في قلوب المستشرقين الروس
الثلاثاء 27/02/2018

صور- شبابيك ـ ايمان جمال الرفاعي

لعبت الفلسطينية كلثوم عودة دورا مبكرا في تشييد جسور الثقافة والمعرفة بين روسيا والوطن العربي واستطاعت من خلال انجازاتها ان تحظى بمكانة مميزة هناك.

ولدت كلثوم لعائلة “نصر عودة” المعروفة في الناصرة في أبريل 1892 ولم تكن عائلتها التي تسكن حارة الروم تعرف المكانة التي ستبلغها وليدتها حيث تقول المولودة في مذكراتها بعد ان صارت علما “استقبل ظهوري في هذا العالم بالدموع والكل يعلم كيف تستقبل ولادة البنت عندنا نحن العرب وخصوصا اذا كانت هذه التعسه خامسة اخواتها، وفي عائله لم يرزقها الله صبيا، وهذه الكراهيه رافقتني منذ صغري فلم اذكر ان والدي عطف عليّ يوما، وزاد في كراهيتهما لي زعمهما اني قبيحة الصورة فنشأت قليلة الكلام كتومه أتجنب الناس ولا هم لي سوى التعليم، ولم اذكر احدا في بيتنا دعاني في صغري سوى “يا ست سكوت” أو “يا سلوله”. وانكبابي علي التعليم في بادئ الامر نشأ من كثرة ما كنت اسمعه من امي: مين ياخذك يا سلوله بتبقي كل عمرك عند امراة اخوك خدامه”.

نتيجة ما عانته كلثوم من سوء معاملة من والديها وزعمهما انها قبيحة لم يكن لها هم سوى التعليم، حيث وجدت به باباً للفرح وكانت مهنه التعليم هي المهنة الوحيدة التي  تُباح للمرأة في ذلك الوقت. وقد كانت العادة قبل الحرب أن التلميذ الاول في المدارس الروسيه الابتدائية يتعلم في القسم الداخلي مجانا وبعدها يحصل على رتبة معلم فـ “عكفت على العمل وبلغت مرادي. والفضل في هذا لوالدي إذ ان والدتي المرحومه قاومت بكل ما لديها من الوسائل دخولي المدرسة”.

التحقت كلثوم بالمدرسة الروسية (السنمار) في بيت جالا، وبعد التخرج منها عادت إلى مدينة الناصرة حيث عملت معلمة في مدارس الجمعية الروسية (المسكوبية) في المدينة.

مارست نشاطا ادبيا بنشر مقالات في مجلات عديدة مثل “النفائس العصرية” في حيفا و”الهلال” في القاهرة و”الحسناء” في بيروت.

التقت كلثوم في الناصرة لأول مرة المستشرق الروسي الكبير اغناطيوس كراتشكوفسكي  الذي زار فلسطين في فترة (1908 – 1910) ولعب دورا كبيرا في مسيرة حياتها لاحقا. وقد اشار كراتشكوفسكي في كتابه “المخطوطات العربية” إلى لقائه معها، بينما كتبت عقيلته فيرا كراتشكوفسكايا عن زيارة زوجها إلى الناصرة أنه تعرف هناك إلى معلمتين فلسطينيتين شاركتا في جولاته في المنطقة واحداهما كلثوم عودة.

تزوجت عام 1913 من الطبيب الروسي ايفان فاسيلييف الذي كان يعمل في مستشفى الجمعية الروسية في الناصرة. وعارض والد كلثوم هذا الزواج لولا تدخل عمها نجيب عودة الذي ذهب معها والدكتور ايفان إلى القدس حيث تم تسجيل عقد قرانهما في الكنيسة الروسية في مسكوبية القدس.

سافرت كلثوم وزوجها إلى روسيا، عمل الزوج في فترة الحرب العالمية الأولى في الجبهة فيما تطوعت الزوجة للعمل كممرضة. وعندما قامت ثورة أكتوبر التحق زوجها بالجيش الأحمر، وفي عام 1919 أصيب بالتيفوئيد وتوفي تاركا زوجته مع ثلاث بنات صغار بعد خمسة أعوام من الزواج.

عملت كلثوم فلاحة في أوكرانيا من أجل اعالتهن. وبعد هذه الفترة بدأت في تدريس اللغة العربية في كلية اللغات الشرقية في جامعة سانت بطرسبورغ وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1928 عن رسالتها حول اللهجات العربية. وقدم كراتشكوفسكي مساعدة كبيرة لها في مسيرتها العلمية لاحقا.

مارست في هذه الفترة الترجمة من الروسية إلى العربية وبالعكس. وزارت كلثوم الناصرة في عام 1928 للقاء أهلها وجابت فلسطين والتقت في القدس المفتي أمين الحسيني. ولدى عودتها إلى موسكو مارست كلثوم التدريس في معهد الاستشراق، ثم انتقلت فيما بعد للعمل في معهد العلاقات الدولية وفي المدرسة الدبلوماسيه العليا. ومُنحت كلثوم عودة الوسام السوفيتي “الصداقة بين الشعوب”.

عانت كثيرا لدى اقامة دولة إسرائيل. وجهت رسالة إلى ستالين تحتج فيها على اعتراف الاتحاد السوفيتي باسرائيل، وزج بها في السجن ولم ينقذها سوى تدخل كراتشكوفسكي وكبار العلماء الروس للدفاع عنها. ومنحتها منظمة التحرير الفلسطينية “وسام القدس” تقديرا لدورها الثقافي والسياسي في روسيا.

أبرز ما قيل في كلثوم عودة كتبته المستشرقة ناتاليت لوتسكايا احدى تلميذاتها قائلة:  “لقد علمتنا كلثوم عوده الكثير والكثير فقد غرست في قلوبنا حب الشرق وحب فلسطين. لقد غرست في قلوبنا محبة شعبكم الذي ناضل وما زال يناضل من اجل حريته واستقلاله. لقد تعلمنا الكثير من كلثوم التي كنت ترى دوما في عينيها الشوق والحنين إلى الوطن”.

وكتب عنها الشاعر توفيق زيادة بعد زيارته الاتحاد السوفيتي: “ان اسم كلثوم عودة معروف على أوسع نطاق في الأوساط السوفيتية ذات الصلة بالاستعراب والعمل الدبلوماسي والادب العربي والبلاد العربية عموما. ان أعدادا كبيرة من المستعربين قد درست اللغة العربية جيلا بعد جيل على يديها”.

 السياسي المخضرم الروسي يفيجين بريماكوف كتب عن دورها في تعليمه اللغة العربية ومساعدتها له في الحصول على زمالة الدراسات العليا بالرغم من وجود مصاعب لديه في تعلم اللغة العربية.

من أعمالها:

  • حضارة العرب في الأندلس (ترجمة)
  • دراسات في تاريخ الأدب العربي (ترجمة)
  • اللغة العربية للروس.
  • المنتخبات العصرية لدراسة الآداب العربية.
  • الادب العربي الحديث.
  • تصوير حياة المرأة العربية المعاصرة في القصة.
  • اللغة المسرحية في الأدب العربي الحديث.
  • حول تاريخ تطور اللغة في البلدان العربية.

وقد توفيت في الاتحاد السوفيتي في 24/11/1965، ودفنت في مقابر العظماء في موسكو، وكتب على قبرها: “مثلٌ للأحياء يُحتذى”.

مشاركة