logo
المخفي والمعلن في قضية إغتيال حسن نصر الله
الإثنين 7/10/2024
  • صادق الطائي

في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بات الحزب يواجه تحديا هائلا يتمثل في سد الاختراق في صفوفه، الذي سمح للكيان الصهيوني بتدمير مواقع الأسلحة، وتفخيخ اتصالاته واغتيال الزعيم المخضرم، الذي ظل مكانه سرا محفوظا بعناية لسنوات. لقد جاء مقتل نصر الله في واحد من أكثر المقرات القيادية تأمينا في الضاحية الجنوبية في بيروت، بعد أسبوع واحد فقط من تفجير الآلاف من أجهزة البيجر المفخخة ومئات أجهزة اللاسلكي، وهي الهجمات التي ألقي اللوم فيها على نطاق واسع على إسرائيل التي لم تعلن مسؤوليتها عنها.

وكان اغتيال السيد نصر الله تتويجا لسلسلة سريعة من الضربات التي قضت على نصف مجلس قيادة حزب الله ودمرت قيادته العسكرية العليا. في مقابلة مع  شبكة (CNN)، أكد وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، أن حزب الله وافق على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، قبل لحظات من اغتيال دولة الاحتلال للأمين العام للحزب حسن نصر الله. وأوضح أن الحكومة اللبنانية أبلغت أمريكا وفرنسا بالقرار، كما قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشروط.

وقال مسؤولان إسرائيليان لوكالة رويترز، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والدائرة المقربة منه من كابينته الوزارية، أذنوا بالهجوم الذي نفذ بينما كان نتنياهو في نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان نصر الله يتجنب الظهور العلني منذ حرب تموز/يوليو عام 2006، وكان يقظا لفترة طويلة، وكانت تحركاته مقيدة ودائرة الأشخاص الذين يراهم صغيرة للغاية. وقال مصدر مطلع على الخطط الأمنية لحزب الله لرويترز، إن الاغتيال يشير إلى تسلل مخبرين لصالح إسرائيل وصلوا إلى قمة هرم القيادة في الحزب. كما أشارت رواية صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إلى أن رجلا مجهولا التقى بنصر الله وعندما صافحه قام بتلطيخ يديه بمادة غير مرئية وغير معروفة لتساعد هذه المادة أجهزة التعقب الإسرائيلية في الاستدلال على مكان زعيم الحزب، ووفقا لمعلومات الصحيفة استغرقت المقاتلات الإسرائيلية دقيقتين فقط لتحديد موقع نصر الله والتأكد من وجوده في مقرٍ في الضاحية الجنوبية في بيروت ثم قامت بعملية القصف المميتة.

أظهرت الأخبار اللاحقة، أن المرشد الأعلى علي خامنئي في أعقاب الهجوم على أجهزة البيجر المفخخة لحزب الله في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، كان قد أرسل رسالة مع مبعوث خاص طلب فيها من الأمين العام لحزب الله مغادرة لبنان والتوجه إلى إيران، مستشهدا بتقارير استخباراتية تشير إلى أن إسرائيل لديها عملاء داخل حزب الله، وأنها تخطط لقتله، وفقا لما ذكره مسؤول إيراني كبير لرويترز. وقال المسؤول إن الرسول كان قائدا كبيرا في الحرس الثوري، هو العميد عباس نيلفروشان، الذي اغتيل مع نصر الله في مخبئه عندما ضربته قنابل إسرائيلية في 27 سبتمبر.

وقال مسؤول إيراني كبير إن المرشد الأعلى تم نقله إلى مكان آمن داخل إيران منذ ذلك اليوم. وقد أمر شخصيا بإطلاق وابل من نحو 200 صاروخ على إسرائيل يوم الثلاثاء الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ردا على الضربات الإسرائيلية المتلاحقة، إذ أعلن ناطق باسم الحرس الثوري في بيان، أن الهجوم كان ردا على مقتل نصر الله ونيلفروشان. كما استشهد البيان بمقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو، وهجمات إسرائيل على لبنان.

كانت أجراس الإنذار قد دقت بالفعل داخل طهران وبيروت بشأن احتمال تسلل الموساد بعد مقتل القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في يوليو في غارة جوية إسرائيلية على موقع سري في بيروت، أثناء اجتماعه مع قائد في الحرس الثوري الإيراني، حسبما قال مصدران في حزب الله ومسؤول أمني لبناني لرويترز في ذلك الوقت، وأعقب ذلك القتل بعد ساعات قليلة اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران.

وعلى عكس وفاة هنية، أعلنت إسرائيل علنا مسؤوليتها عن مقتل شكر، وهو شخصية وصفها نصر الله، في جنازته، بأنها شخصية مركزية في تاريخ حزب الله الذي بنى أهم قدراته. وتعود المخاوف الإيرانية بشأن اختراق إسرائيل لصفوفها العليا إلى سنوات. ففي عام 2021، قال الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، إن رئيس وحدة استخبارات إيرانية كان من المفترض أن تستهدف عملاء الموساد كان هو نفسه عميلا لوكالة التجسس الإسرائيلية، وقال لشبكة (CNN) إن إسرائيل حصلت على وثائق حساسة حول البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى غارة عام 2018 التي حصلت فيها إسرائيل على كنز ضخم من الوثائق السرية للغاية حول البرنامج. وفي عام 2021 أيضا، قدم رئيس المخابرات الإسرائيلي المنتهية ولايته يوسي كوهين تفاصيل حول الغارة، قائلا لـ(BBC)  إن 20 عميلا غير إسرائيلي للموساد شاركوا في سرقة الأرشيف من مستودع.

كما قال مسؤول إيراني كبير آخر، إن اغتيال نصر الله دفع السلطات الإيرانية إلى التحقيق بدقة في التسللات المحتملة داخل صفوف إيران، من الحرس الثوري القوي إلى كبار المسؤولين الأمنيين، وكان التركيز منصبا بشكل خاص على أولئك الذين يسافرون إلى الخارج. وقال مسؤول إيراني، إن لدى المشتبه فيه أقارب يعيشون خارج إيران، وأضاف أن طهران بدأت تشك في بعض أعضاء الحرس الذين كانوا يسافرون إلى لبنان، وأن المخاوف أثيرت عندما بدأ أحد هؤلاء الأفراد يسأل عن مكان نصر الله، خاصة الاستفسار عن المدة التي سيبقى فيها في مواقع محددة، وأن هذا الشخص اعتقل مع عدد من مساعديه، بعد إثارته القلق في دوائر الاستخبارات الإيرانية، خاصة أن عائلته انتقلت خارج إيران، من دون تحديد هوية المشتبه فيه أو هوية أقاربه.

وقال المسؤول الثاني إن الاغتيال نشر انعدام الثقة بين طهران وحزب الله، وبشكل خاص داخل حزب الله. وأضاف «اختفت الثقة التي كانت تربط كل الأطراف في محور المقاومة». وقال مصدر ثالث مقرب من المؤسسة الإيرانية، إن المرشد الأعلى «لم يعد يثق في أحد». وفي الوقت نفسه، بدأ حزب الله في لبنان إجراء تحقيق كبير لتطهير تنظيماته من الجواسيس الإسرائيليين، وتم استجواب مئات الأعضاء بعد انفجارات أجهزة النداء، حسب ثلاثة مصادر في لبنان لرويترز.

وقال مصدر في حزب الله إن نبيل قاووق، وهو مسؤول كبير في حزب الله، كان يقود التحقيق. وأضاف أن التحقيق كان يتقدم بسرعة، قبل أن يقتل قاووق بغارة إسرائيلية بعد يوم من اغتيال نصر الله. كما استهدفت غارة أخرى في وقت سابق قادة كبار آخرين في حزب الله، وكان بعضهم متورطا في التحقيق.

يزعم المنتقدون أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استخدمت تاريخيا تصعيد العنف كوسيلة لتجنب مفاوضات السلام، عبر الاستفزاز أو استمرار الصراعات، إذ يمكن لإسرائيل تبرير الأعمال العسكرية، ومنع الحلول الدبلوماسية، وتأخير إنشاء دولة فلسطينية، ما يسمح لها باستمرار التوسع الاستيطاني غير القانوني والهيمنة على كل التراب الفلسطيني. هذا المفهوم، الذي صاغه لأول مرة الاستراتيجي الإسرائيلي أفنير يانيف في عام 1982، الذي يفترض أن إسرائيل ترى خطرا في أن يصبح الفلسطينيون أو حلفاؤهم معتدلين أو موثوقين دبلوماسيا. مثل هذا السيناريو قد يجبر إسرائيل على صنع السلام أو الدخول في محادثات، مما قد يقوض هيمنتها العسكرية أو السياسية في الشرق الأوسط.

ويتجلى التردد في السعي إلى السلام بشكل أكبر في الميثاق البغيض للحزب السياسي الأكثر نجاحا في إسرائيل، وهو حزب الليكود، بقيادة نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة. يقول ميثاق الليكود: «سيكون نهر الأردن الحدود الشرقية الدائمة لدولة إسرائيل. وأن حكومة إسرائيل ترفض بشكل قاطع إنشاء دولة عربية فلسطينية غرب نهر الأردن». لذلك ونحن نتحدث ونكتب ونحلل السياسات الإسرائيلية يجب أن نضع نصب أعيننا دائما، هذا الادعاء حول رفض إسرائيل للسلام لصالح الحرب مع حزب الله، على أنه محاولة من جانب دولة الفصل العنصري لتجنب الحلول الدبلوماسية لصالح استمرار احتلالها غير القانوني لفلسطين.

  • عن القدس العربي
مشاركة