المدن: إكتظاظ المخيمات يزيد من خطر الإصابة بالكورونا
الثلاثاء 17/03/2020بيروت ـ شبابيك
نشر موقع المدن الإلكتروني تقريرا موسعا لفاطمة حيدر حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مع تزايد خطر الإصابة بفايروس الكورونا جاء فيه:
بعد إعلان خروج لبنان من مرحلة إحتواء فيروس كورونا إلى مرحلة إنتشاره، جاء قرار وقف دخول الحافلات والفانات السورية ووفادتها إلى لبنان، ووقف الرحلات الجوية البرية والبحرية من وإلى الدول الموبوءة.
وهكذا أوقفت السلطات اللبنانية إستقبال طلبات أذونات دخول السوريين، وعدم السماح لهم بالدّخول إلى لبنان لمدة 10 أيام من تاريخه، بحسب بيان الأمن العام اللبناني. وهذه قرارات، رغم أهميتها، أتت متأخرة نسبة إلى خطورة الوضع القائم.
في سياق آخر، ليس من جهة رسمية أو غير رسمية بدت مهتمة بتدارك خطر وصول الفيروس إلى المخيمات الفلسطينية، بإستثناء تصريح خجول لمجلس الوزراء، ألقى المسؤولية كلها على المنظمات الدولية “لجهة الإهتمام بالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، ولتقديم الرعاية الصحية والخدمات الإستباقية اللازمة لهم في ما خص كورونا”. وهذا علماً أن إصابة واحدة في أي من المخيمات، كافية لتحويلها بؤرة للفيروس، لإعتبارات عدة تتعلق بالإكتظاظ والبنى التحتية ونقص مواد التعقيم. ما يشكل خطراً، ليس على الفلسطينيين واللاجئين فقط، بل على لبنان كله.
زارت “المدن” مخيم مار الياس في بيروت، لإستكشاف الإجراءات التي يعتمدها اللاجئون لحماية أنفسهم، ولتقصي دور المنظمات الدولية في حمايتهم. تفوح روائح العفن في المخيم، وتطغى على رائحة مواد التعقيم. الممرات ضيقة إلى حد الإختناق، ويتلاصق السكان فيها، حيث تسكن 420 عائلة من جنسيات مختلفة: فلسطينيون، سوريون، وبنغاليون، أثيوبيون، ولبنانيون. وكمعدل وسطي، تبلغ الكثافة السكانية في المخيم 2100 شخص في الكلم المربع. لميا السعد، وهي فلسطينية لاجئة من سورية، وتعرّف عن نفسها كناشطة إجتماعية وقانونية في مركز التنمية، تقول: “في ظل تهميش وزارة الصحة المخيمات، إتخذنا إجراءات بالتعاون مع اليونيسيف. وإعتمدنا برامج توعية وتدريب مع جامعة البلمند حول كيفية الوقاية من كورونا، ونبهنا من أهمية التعقيم والتطهير، إضافة إلى كيفية تنظيف الأسطح والأرضيات وتعقيمها. وباشرنا بإقامة ورش توعية مع اللاجئات لإطلاعهن على
كيفية التعامل في حال الإشتباه بإصابة ما. وذلك في مخيمات مار الياس وشاتيلا وعين الحلوة”.
وتؤكد لميا أن دورات التوعية تقيدت بإجراءات إحترازية. فنُفِذت مع مجموعات من 6 نساء في كل دورة، مع إعتماد التحدث عن بُعد. ولكن سكان المخيم إستنكروا هذا الأمر وكان لهم رأي مخالف لها. الفلسطينية لينا، من أهالي المخيم وهي ناشطة في شبكة حماية الطفل، لديها 3 أولاد، تقول إن تقصير اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية والأونروا، إستمر على مدى أسبوعين، لم تؤمن فيهما أدوات التعقيم، إلى أن علت أصوات سكان المخيم لتأمينها. لم تكن هناك خطة إحترازية، بحسب الأهالي. والأونروا لم تؤمن شيئاً. وهي ترفض إستقبال الفلسطينيين الذين لا بطاقة لديهم، حتى لو كانت لديهم أعراض معينة. وهذا ليس بجديد. فحين حصلت موجة إنتشار القمل في الصيف الماضي، لجأ الأهالي إلى الوكالة الدولية، فإمتنعت عن تأمين الأدوية اللازمة. بداية، قالت إنها ستؤمنها للفلسطينيين فقط، لأنها ليست مسؤولة عن السوريين. ولكنها لم تؤمن شيئاً لأحد في نهاية الأمر.
ويرفض أهالي المخيم جلسات التوعية رفضاً تاماً، لأنهم ضد إقامة التجمعات. وهم يقومون بمحاولات عدة وبمبادرات فردية لإقفال المحال في المخيم، بإستثناء المحال التجارية والخضار. تضيف لينا: “حاولنا قدر المستطاع حماية أنفسنا بأنفسنا، وطلبنا كمامات ومعقمات. لكن ليس من جهة رسمية تسمعنا. لا وزارة الصحة، ولا اليونيسيف ولا الأونروا”.
وفي البداية إختلف الأهالي فيما بينهم حول منع الأطفال من اللعب خارج البيوت. ولكنهم إتفقوا في النهاية على الإلتزام بمنعهم. وبحسب المعلومات المؤكدة، فإن مستشفى سبلين الحكومي سيكون المستشفى الرسمي لإستقبال للاجئين الفلسطينيين في حال أصيب أحدهم. وتقول غادة عثمان ضاهر (تعمل في قسم التربية المتخصصة في مؤسسة غسان كنفاني لذوي الإحتياجات الخاصة): “كنا نقوم فردياً بمنع التجول. ندخل إلى البيوت ونتحدث مع الأهالي، ونبادر إلى توعيتهم”. وتنبه غادة لأمر مهم: “غياب مراقبة من يدخل إلى المخيم ومن يخرج منه. ما يعني أن أحد المصاببين بالفيروس قد يدخل وينقل العدوى من دون أن نعلم. وهنا تقع الكارثة”.
وتضيف غادة: “لا أتحدث بعنصرية. ولكن كي أكون شفافة، العائلات السورية لديها إحتكاك دائم مع أشخاص من خارج المخيم. الزيارات تحصل يومياً. بيوت الفلسطينيين تسكن في كل منها عائلة واحدة. أما بيوت السوريين فغالباً ما يسكن في كل منها عائلتان، في الحد الأدنى، وبعض البيوت تسكنها عائلات خمس! وبعض العائلات تجتمع في غرفة واحدة مع أقارب يأتون من خارج المخيم. وهناك أحياناً 45 شخصاً في الغرفة الواحدة. هذا أمر خطير في حال إنتشار الفيروس”.
وختمت غادة: “الوباء ليس عنصرياً بل عالمي. والتمييز بين شعب وآخر لم نره في أي مكان. نحن في خطر ليس فقط على أنفسنا، بل على جميع المواطنين”.
الدفاع المدني هو الأبرز في المخيم، ويكاد يكون الوحيد الذي يعمل في مخيم مار الياس: يقوم برش وتعقيم كل ساعتين في المخيم. ويتحدث الدفاع المدني عن خطته ويقول إنه يقوم بزيارة البيوت لإطلاع سكانها على كيفية غسل اليدين وتعقيم البيوت. ومنع الحفلات التي تقام يوم السبت. ويحذر من أن أدوات التعقيم نفذت لديه ولم يبقَ منها سوى 30 ليتراً، لا تكفي لأكثر من دورة تعقيم واحدة. وبحسب عناصر الدفاع المدني، الجهات المختصة تأخرت في مدّهم بالكفوف والكمامات وأدوات التعقيم.
ترد الأونروا على أحاديث الأهالي بالقول: منذ بداية الأزمة، قامت المنظمة بحملات توعية، وباشرت توزيع المعقمات على العيادات والمراكز. لكن كان لديها مشاكل في توفير كميات من الكمامات، وقد إستدركت الأمر. رئيس قسم الصحة في المنظمة الدكتور عبد الحكيم شناعة يقول: “نعمل بحسب توصيات وزارة الصحة اللبنانية ومنظمة الصحة العالمية. ونقوم حالياً ببناء عيادات جديدة كي تكون معزولة تماماً عن المرضى الآخرين. وفي حال إصابة أحد اللاجئين، سوف نتكفل بكل مريض فلسطيني، وفلسطيني قادم من سوريا على نفقتنا، في حال طلبت منا وزارة الصحة ذلك”.
في جولة على بيوت النازحين السوريين في المخيم، أكدوا أنهم يلتزمون بيوتهم. ولكن المنظمات لم تتواصل معهم للمساعدة: “نحن نشتري المعقمات بأنفسنا”، تقول إمرأة سورية. لكن أخرى تقيم منذ 8 سنوات في المخيم، تقول إنها تستقبل بناتها اللواتي يأتين من الخارج.
إذاً، الخلاصة أن وزارة الصحة غائبة عن وضع خطة طوارئ للمخيمات في لبنان، وكذلك الأونروا، بحسب أهالي المخيم، علماً أن المخاوف تصاعدت من نقل العدوى إليهم، خصوصاً أن لا رقيب ولا حسيب لمن يدخل ومن يخرج. وإصابة واحدة في ظل الإكتظاظ السكاني الذي تشهده المخيمات، تعني أننا أمام كارثة من الصعب تداركها، في ظل عدم وجود خطة. ويبدو أن القدرة الإلهية وحدها تحمي النازحين واللاجئين في المخيمات، على أمل ألا يظل إعتمادنا على المعجزات ونبدأ بتنفيذ خطط عملية.