logo
تفاصيل الوجع الانساني في حكايات اللجوء
الإثنين 8/01/2018

بيروت ـ شبابيك

تغرف نصوص كتاب “حكايات من اللجوء الفلسطيني” الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية من قعر عذابات نكبة بدأت في النصف الثاني من  اربعينيات القرن الماضي واتسعت مثل ورم سرطاني يحول حياة الفلسطينيين الى كوابيس ويبدعون في التعايش معه والاحتفاظ بقدرتهم على مقاومته.

تتسع الحكايات الاحدى عشرة التي اشرف على ورشة كتابتها الروائي حسن داوود لادق تفاصيل الحياة في مخيمات لبنان منذ بنائها بعد اللجوء الاول مرورا بمحطات التهجير المستمرة والمترادفة مع هجرات الجوار والعمق العربي المفترض.

يشير داوود في مقدمته الى هامشية المخيم في الحياة اللبنانية فهو “قطعة من زمن آخر، جرى تحييدها عن الطريق العمومية لينغلق فيها من يعيشون فيها” ويصل الى ان محتوى الكتاب يقدم اوجه اخرى غير الاشتباكات المسلحة يتمثل بعضها في اللهو والغزل والجدران المنقوشة عليها كتابات الاحلام.

 وتتناول بيرلا عيسى في مقدمة ثانية للكتاب الورشة التي نظمت بدعم من “صِلات: روابط من خلال الفنون” (مؤسسة عبد المحسن القطان بالشراكة مع صندوق الأمير كلاوس)، الظروف التي كتبت فيها النصوص حيث تشير الى ان الهدف من المبادرة اتاحة الفرصة امام اللاجئين للكتابة عن حياتهم والوصول الى تفصيلات لا يعرفها سوى من عاشها بدلا من الاكتفاء بالدراسات الاكاديمية التي تتناول اللجوء.

“غرافيتي زمن مضى” عنوان اول نصوص الكتاب حيث يوغل سالم ياسين في عوالم جدران تحولت الى صحف غير رسمية تنبض بالحياة بخلاف الصحف الرسمية، ثم ينتقل الى وشم الجسد باعتباره شكلا اخر من اشكال التعبير عن عبث تتجسد بعض اشكاله في علاقة الفتيان مع الفصائل.

بحس الانثى تحدد ميرا صيداوي في نصها “لم امت بعد” بعض ملامح اللاجئ المسكون بالخيال واللاوعي، بلاده “عين الدهب” كما رآها العجوز ذو اللحية البيضاء، ومدينة ملاه كبيرة في عيون اطفال اللاجئين، والمخيم زورق بلا بحر، وتجد في الرعب الذي خلفه دمار مخيم نهر البارد مناخات لاستعادة بقية المخيمات اجواء النكبة الاولى، قبل ان تسلم بانها تعيش خارج الزمن.

ترسم نادية فهد في نصها “منذ اصبحت اما كرهت الشتاء” صورة للمخيم من خلال زواريبه التي تحيل نقل طفلتها من بيت لآخر الى مغامرة في صباحات ذلك الفصل من فصول السنة دون ان تغفل المرور على تداخل شبكات الماء والكهرباء وتطل خلال سردها ـ اطلالة عابرة ـ على اللجوء السوري الى المخيم الفلسطيني باشارتها الى جارتها السورية التي كادت ان تفقد حياتها صعقا بالتيار الكهربائي. 

تتماهى سيرة التجمع الفلسطيني في “الداعوق” مع تجربة لجوء يوسف نعنع وعائلته في نصه “الداعوق .. تربة .. مقبرة” فهي تبدأ من خزينة اسرار الأب والصور المعتقة في علبة البسكويت المعدنية وتمر باجيال العائلة المنغمسة بالاحداث والتواريخ واعادة انتاج اللجوء دون ان تفقد صلتها بالمكان الذي تتبدل ملامحه على وقع الصراعات والعلاقات الانسانية.

في نصها “حنين” تقرا حنين محمد رشيد تجربتها من خلال دلالات اسمها فهي العتبة التي تعبرها الى العائلة والمخيم وتفاصيل العلاقات والغياب والرحيل والبقاء وصورة الوطن.

تختار وداد طه عنوان “قلبي معلق بتوتة” لنصها الذي يروي تجربة مختلفة، فهي لم تتعرف على هويتها الا بعد تجاوزها الثانية عشرة من العمر وعودة ذويها الى لبنان بعد اغتراب ليأخذ المخيم بعدا لم يظهر في النصوص السابقة و تتوالى اكتشافاتها لتصل الى انطباع “الفلسطيني الذي لايليق بالحياة” وصورة فلسطين الغيبية الى حد التلاشي.

تؤطر انتصار حجاج روايتها بعوالم جدتها، ففي نصها “خديجة ام امي” شخصية تبدو غرائبية للوهلة الاولى، وفي غرائبيتها سحرا خاصا تتلاشى معه الحدود، وتنمو على حوافه علاقات عابرة للهويات الضيقة.

تتسع دائرة الشتات في نص ربا رحمة “وللحلم بقية” وتتعدد مسارات الاحداث بتشعبها بين لبنان وسوريا ومنافي جديدة ـ يصطلح على تسميتها بلد اللجوء الثالث وتكتسب معنى اخر في القاموس الفلسطيني ـ لتفرخ تفاصيل اخرى، محملة بعذابات مضاعفة، لها خصوصيتها المستمدة من خصوصية الذاكرة رغم امتداد جذرها الى تربة تتوحد فيها اسئلة الهوية والعذابات المتراكمة منذ النكبة الاولى وضبابية صورة الوطن.

ويخرج نص محمود محمد زيدان الذي يروي قصة الاجتياح الاسرائيلي للبنان من دائرة الحكاية ليأخذ منحى الرواية، ففي تفاصيل “نزوح في غربتين” ما يوحي بحواس يقظة لالتقاط التفاصيل وقدرة على السرد وسلسلة المراحل وجرأة في الطرح والقراءة الناقدة للاحداث، مما يترك القارئ في حالة ترقب عمل روائي يستكمل انضاج الاحداث التي تحتمل المزيد من الشهادات المغايرة لكل ما قيل حول الحدث الذي مثل منعطفا جديدا للوجود الفلسطيني في لبنان والقضية الفلسطينية ويضيف جديدا للتجربة الروائية الفلسطينية.

يغلب على نصوص الكتاب حميميتها وصخب نبضها وغنى تفاصيلها وأنسنتها للتجربة فهي مفعمة بالعشق والعتب وحب الحياة رغم قسوتها ولا تخلو من اشارات يمكن ان توفر مدخلا مختلفا لاستيعاب ظروف اللجوء الفلسطيني في لبنان والاحاطة بقدر اكبر من تشعباتها وتفاصيلها.

ترتبط التجارب الواردة بين دفتي الكتاب بخيط شفيف، حيث الامتلاء بالعذابات والرحيل، ومحاولة صياغة مفهوم للوطن، والالتقاء عند الوقوف امام عبثية السياسي وسمو الانساني، والرغبة التلقائية في “كشط” جليد التنميط، والبحث عن غير المرئي، للكشف عن جوهر اللاجئ الانسان، بعيدا عن صورة المسلح والمفخخ التي تدور حولها خيالات المشتغلين بالسياسة اليومية.

مشاركة