logo
ثلاثون عاما على اتفاقيات أوسلو… اعطاء الهزيمة إسما آخر
السبت 16/09/2023
  • عبد الحميد صيام

قبل عشر سنوات كتبت مقالا في هذه الصحيفة بعنوان «عشرون عاما على أوسلو- بقايا وطن وبقايا حقوق». وحاولت أن أعمل جردة حساب على ما جرته اتفاقيات أوسلو الكارثية من مصائب على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، التي ضحّى من أجلها مئات الألوف من الفلسطينيين والعرب. ولا أريد أن أعيد الأفكار نفسها وبأرقام جديدة، سواء ما يتعلق بتوسع الاستيطان مقارنة بعام 1993، أو عام 2013، ولا باستكمال بناء الجدار العازل ولا بشهية القتل لدى الكيان وإطلاقه أربع حروب كبرى على غزة (2008، 2012، 2014 و2021) وحرب اجتياح المدن في الضفة الغربية عام 2002 وحرب على جنوب لبنان 2006، وما بينها من اقتحامات للأقصى ومجازر واغتيالات وتهويد متواصل للقدس. الآن بعد مرور عشر سنوات أخرى على الاتفاقيات الكارثية لتكمل عامها الثلاثين، أود أن أتوقف عند محطات رئيسية حول الوضع الفلسطيني أساسا وتشابكه مع الأوضاع العربية والدولية.
أولا- لكي نفهم اتفاقيات أوسلو وما تعنيه، يجب أن نراجع اتفاقيات الاعتراف المتبادل لأنها الجوهر وما عدا ذلك تفاصيل.. فقد جاء في رسائل الاعتراف المتبادل التي وقعها كل من ياسر عرفات وإسحق رابين قبل أربعة أيام فقط من مهرجان البيت الأبيض: «تعترف منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، وتقبل المنظمة قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338، كما تلزم المنظمة نفسها «بالحل السلمي بين الجانبين»، كما أن المنظمة «تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى»، وستلزم أفراد منظمة التحرير بالالتزام بعدم انتهاك هذه الاتفاقيات وفرض الانضباط»، والأخطر من كل هذا أن المنظمة تعتبر أن كل «بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود.. وتتناقض مع الالتزامات الواردة في هذا الخطاب، أصبحت الآن غير ذات صلة ولم تعد سارية المفعول». مقابل هذا الاعتراف حصلت منظمة التحرير على جملة يتيمة تقول: «إن حكومة إسرائيل قررت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وستبدأ مفاوضات مع منظمة التحرير في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط». وشتان ما بين الاعترافين، أي إنشاء ووعود وحديث عن دولة مستقلة ووقف الاستيطان والقدس وحق العودة، هي أمنيات فقط قيلت لتسويق الاتفاقية ولم ترد في نص الاتفاقية.

ثانيا- هذه أطول فترة متواصلة في تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث، كما يؤكد الكاتب والباحث الدكتور خالد الحروب. فالحكم العسكري البريطاني استمر أربع سنوات وفترة الانتداب 25 سنة، والحكم الأردني 19 سنة والاحتلال المباشر للضفة وغزة استمر 20 سنة والانتفاضة الأولى استمرت خمس سنوات انتهت بتوقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993. ثلاثون سنة متواصلة وتحت إدارة السلطة الفلسطينية التي أوكل لها الاحتلال هذه المهمة فقط.
ثالثا- إن أخطر ما مثلته اتفاقيات أوسلو، أنها تنازلت عن وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة الأرض ووحدة الهدف. فالشعب الفلسطيني اقتصر على سكان الضفة الغربية وغزة فقط، وأسقط كل الفلسطينيين في الداخل ودول اللجوء والشتات، وهم يعادلون نصف الشعب الفلسطيني أو أكثر. والاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل الحالية الرابضة على 78 في المئة من مجموع الأرض الفلسطينية، يعني أن الدولة الفلسطينية ستقام (جدلا) فقط على 22 في المئة من أرض فلسطين التاريخية. كما غيرت الاتفاقيات الهدف الفلسطيني من تحرير فلسطين، وإقامة الدولة الديمقراطية على كل أرضها إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وغزة فقط. إذن تم التخلي عن وحدة الشعب ووحدة الأرض ووحدة الهدف مقابل ماذا؟ مقابل وعد بفتح المفاوضات على قضايا الوضع النهائي، إذا ما أثبتت السلطة أنها قادرة على ضبط الأمن ووقف التحريض وقمع المناضلين وإلغاء الميثاق الوطني.
رابعا- السلطة الفلسطينية الآن فاقدة للشرعية تماما، فآخر انتخابات رئاسية تمت عام 2005 وكان يجب أن تعقد انتخابات رئاسية عام 2009. إذن الرئيس انتهت شرعيته الدستورية منذ 14 سنة، وأنا واثق أن غالبية الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة، لو أتيحت لهم فرصة الانتخابات الرئاسية الحقيقية السلمية المراقبة دوليا، لرفضت انتخابه وهو يعرف هذا تماما ولذلك ألغى إعلانه لإجراء الانتخابات عام 2021. هو الذي أعلن وهو الذي ألغى. كل المؤسسات الآن فاقدة للشرعية سواء المجلس الوطني، أو المجلس التشريعي الذي ألغاه محمود عباس بجرة قلم. منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت دائرة من دوائر السلطة، وليس لها أي مضمون حقيقي ويستخدم اسمها أحيانا عند الضرورة.
خامسا- هذه القيادة غير معنية بالوحدة الوطنية على أرضية النضال، إذ إنها تستمد قوتها فقط من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وليس لهؤلاء مصلحة في الوحدة، بل تعزيز الانقسام. ما تسعى إليه القيادة المهيمنة، وحدة على أرضية أوسلو، والتسوية، ووقف أي عمل مقاوم بالسلاح. وحدة يريدونها على أرضية التنسيق الأمني واعتقال المناضلين وزجهم في السجون، أو السماح للقوات الصهيونية باغتيالهم نهارا جهارا، إن أكثر محاولة جادة للوحدة الوطنية التي رعتها الجزائر في 13 أكتوبر 2022 وتم إفشالها. أما اجتماع أمناء الفصائل في العلمين في مصر، فكان مناسبة لأخذ صور تذكارية فقط.
سادسا- لقد تحول رئيس السلطة إلى حاكم مطلق، يضع كل السلطات في يديه هو وثلة صغيرة تخدمه وتمجده وتخترع الروايات عن عبقريته. لقد تحولت السلطة إلى جهاز قمعي لشعبها، يكتم الأنفاس والحريات، وضيقت نسبة حرية التعبير وحرية التجمع وحرية الرأي، وأصبحت الاعتقالات بناء على موقف الشخص المعارض من الأمور اليومية. ثم تجاوزت الاعتقالات إلى استخدام العنف والقتل والسجن والتعذيب. وما حدث لنزار بنات، إنما المثل الأكثر وحشية. ولننظر إلى خطورة ما حدث مؤخرا في مخيم طولكرم، وقتل الشاب عبد القادر نضال زقدح يوم 30 أغسطس أثناء تصدي شباب المخيم لقيام الأجهزة الأمنية بإزالة الحواجز المخصصة لإعاقة اقتحامات قوات الاحتلال الصهيوني. هل من جريمة أبشع من أن تطلق النار على فلسطيني يريد أن يقاوم التوغل الصهيوني؟ ونثمن دور جميعة «محامون من أجل العدالة» وغيرها من جمعيات حقوق الإنسان التي توثق كل هذه الجرائم.
سابعا ـ المقاومة من رجال عابرين للفصائل متواصلة، رغم تغول الكيان الصهيوني في ظل الحكومة الأكثر فاشية في تاريخ الكيان. الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة، بما فيها كتائب شهداء الأقصى، بدأت تتمرد على الاحتلال وأعوانه وبدأت تنظم نفسها دفاعا عن مدنها ومخيماتها وقراها. الخيار الذي ترك للناس الموت ذلا أو الاستشهاد بشرف في ميدان المواجهة. وكلما اشتد عود المقاومة وأوجع العدو، انصاعت السلطة للضغط الإسرائيلي الأمريكي للعمل على اجتثاث المقاومة وهو ما اتفق عليه في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ. لقد دخل المستوطنون بتنسيق مع الجيش مرحلة الإرهاب الجماعي وارتكاب المجازر والتدمير والحرق والاقتحامات، أبرزها ما حدث في حوارة وترمسعيا وبرقة وغيرها. «إما أن تحمونا أو تسلحونا» صرخة شاب في وجه محمد إشتية تمثل الإحباط العام من سلطة أوسلو.
سابعا- لقد شكلت سنوات أوسلو غطاء للمطبعين العرب، حيث اندلقت العلاقات على غواربها بعد الاتفاقية، وفتحت مكاتب تجارية في العديد من الدول العربية. وبعد الانتفاضة الثانية تراجع التطبيع قليلا، خاصة في أشكاله العلنية، لكنه بقي متواصلا مع بعض الدول وصولا إلى اتفاقيات إبراهيم التي ضمت الإمارات والبحرين ثم المغرب فالسودان. وكادت تقفز ليبيا إلى القطار لولا وعي الشعب الليبي، لكن المقبل أخطر. فمرحلة التطبيع اذا شقت الطريق إلى المملكة العربية السعودية، ستفتح كل أبواب التطبيع من إندونيسيا شرقا إلى موريتانيا غربا. السلطة التي اتهمت الإمارات بطعن الفلسطينيين في الظهر، عادت وسكتت على التطبيع المغربي والسوداني وتفاوض الآن السعودية على الثمن.
وأخيرا، هذا الكيان هش وقابل للهزيمة، خاصة أنه يواجه لأول مرة تحديا داخليا يكاد يطيح بالتركيبة كلها، كل الأسلحة المتطورة التي لديه، والتنسيق الأمني مع سلطة رام الله ومصر والأردن والاختراق لدول عربية عديدة ودعم أمريكي أوروبي روسي هندي صيني غير محدود، ومع هذا هو خائف ومرعوب، ولا يستطيع أن يواجه غزة ولا مخيمات الضفة بعد درس جنين يومي 2 و 3 يوليو، ولا يستطيع أن يفتح جبهة في الشمال مع المقاومة. إنه أوهى من خيوط العنكبوت ومع هذا يتسابق العرب لاحتضانه والتنسيق معه وشراء أسلحته، بينما كثير من شعوب العالم تقاطعه وتعريه وتدينه. ألا بئس ما يفعلون. لكن اللوم أساسا يقع على من وقع اتفاقيات أوسلو «النكبة الثانية» من تقدم منهم ومن تأخر، ولا مناص أمام الشعب الفلسطيني إلا الصمود والمواجهة والمقاومة لإسقاط مرحلة أوسلو وما جرته على الشعب الفلسطيني من مآس.

  • عن القدس العربي

 

مشاركة