logo
حارس الضمير؛ عبد المحسن القطان
الثلاثاء 9/01/2018

عمان – شبابيك   

منذ بداياته التصق بالقيم، لم يكتف بتمثلها في سلوكه تجاه المحيطين به، او ترجمتها الى فعل يومي، بقدر ما حرص على تقديم النموذج الذي يمكن القياس عليه، وربما تطويره كلما اتيحت الفرص. بناء على هذا الفهم الذي رافقه منذ شبابه المبكر وهو يتلقى علومه في الكلية العربية زاوج عبد المحسن القطان بين النجاح والالتزام وكأنه كان يحفظ عن ظهر قلب درسا لمعلمه خليل السكاكيني ويصوغ من وحي تجربته رسالة لأجيال لاحقة.

 وجد في الاهتمام بالشعر والتاريخ العربي والاسلامي فضاء ونقطة ارتكاز روحي تعينه على حفظ التوازن في عالم يتشظى دونما توقف وبلا حساب لضحايا تشظيه ويتقلب دون روادع. لم تدفعه دراسته للأقتصاد والعلوم السياسية وادارة الاعمال الى براغماتية التفكير كما يحدث في العادة مع اشباه مثقفين وسياسيين يتنكرون لدروس التاريخ ويتحايلون على الانساني فيهم.

 آمن القطان بأن حياة الانسان موقف لابد من تحمل مسؤولية اتخاذه عندما تقتضي الضرورات وليست هلامية او انسيابية مما ابقاه بعيدا عن خفة السياسيين في منطقتنا وحركاتهم البهلوانية وقريبا من نموذج المثقف العضوي الذي مثله ادوارد سعيد. ترتب على ذلك زهد في المناصب والمواقع المغرية للباحثين عن مكاسب عابرة او تعويض عقد النقص، ظهر واضحا في استقالته من سدة منظمة التحرير في وقت مبكر حين ادرك عبثية التعايش مع حالة محكومة بقوة التدمير الذاتي، وانسحابه من المجلس الوطني لاحقا انحيازا لنقاء الفكرة.

 كرست انسدادات الواقع وضرورات انفتاح الافق امام اجيال لاحقة رهان القطان على المستقبل باعتباره ارضا قابلة للتخصيب رغم رواسب الاملاح التي يخلفها الراهن من ممارسات الساسة. كان التفكير بهذه الذهنية كافيا لاهتمام العصامي عبد المحسن القطان بالمساهمة في بناء استراتيجيات النهوض والتنمية واعادة انتاج الوعي عبر عمل مؤسسي يتيح التراكم النوعي.

بارادة المحارب الذي يخوض معركة ضد عدو مكشوف وآخر مضمر وضع اساسات واحدة من اهم المؤسسات الثقافية في الوطن العربي ومركزا للتطوير التربوي وشارك في مؤسسات وهيئات اخرى شبيهة الاهداف وقدم الدعم لمشاريع بحثية. تحكي عقود عبد المحسن القطان التي زادت عن ثمانية ـ لم يفارقها الحلم ـ قصة الفلسطيني الذي تعايش مع الضمير، آمن بتنمية العقل، ولم تهزمه المراحل، وفي ذلك ما يبقي على اقتحامه اللحظة، مثل موجة تتعرى امامها هشاشة الزبد.

مشاركة