logo
حرب نتنياهو: كل شيء أو لا شيء..  
الخميس 31/10/2024
  • علاء الدين أبو زينة

بعد كل الحديث عن دولة يهودية ودويلة فلسطينية تعيشان جنبًا إلى جنب على أرض فلسطين التاريخية، لم يعد الكيان الصهيوني يتكلف عناء إخفاء رؤيته الأساسية. أعلن رئيس حكومة الكيان وأركان حكومته: «نحن أو هم». وكان أنصار حديث «الدولتين» يعرفون، إذا قرأوا التاريخ، أن قادة المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين اختاروا «نحن أو هم» على «نحن وهم» منذ البداية، وأن رؤيتهم حكمت سلوك الكيان كل الوقت.

ولم يتغير شيء يجعل الكيان يتراجع عن هذه الرؤية. بدلًا من الضغط على الكيان وإرغامه على تقديم أي تنازل، حظي بقدر غير معقول من التدليل في المنطقة، وتوالت عليه عروض دمجه في المنطقة وفتح أذرعها له مقابل تنازل صغير، ولم يتنازل. ثم أصبحت الأذرع العربية تفتح له تباعًا من دون تقديم أي شيء على الإطلاق ولا الوعد بشيء. وفي هذا الوقت، أصبحنا نقرأ بكثافة في الأدبيات التي تتحدث عن الشرق الأوسط تنويعات من عبارة: «لقد سئم العرب (تعب العرب؛ ملّ العرب؛ ضاق العرب) من الفلسطينيين والقضية الفلسطينية». بل ظهر كُتاب ومعلقون عرب متخصصون في التحريض على الفلسطينيين وتصويرهم وكأنهم سبب مصائب الإقليم وتخلفه؛ نفس لا- منطق لوم الضحية.

لم نسمع ونقرأ أبدًا في الأدبيات المشبوهة عبارة «لقد سئم العرب من إسرائيل «لأن المعلقين كانوا يرون أن هذا لم يحدث. ولم يفكر أحد من العرب المعنيّين بتحديد الاستراتيجيات بتصور المنطقة من دون الكيان. أصبحت هيمنته العسكرية والمعنوية قدَرًا قبلوا بأن تفرضه عليهم قوى أرضية قابلة لمقاومتها وهزيمتها، والتي لا تخفى نيتها الهيمنة على العرب وأرض العرب. وليس هذا صحيحًا؛ الأمم تصنع أقدارها-لو أرادت ما دامت ليست بلا يدين ورجلين. سوف تعجز الأمم فقط إذا كانت بلا عقل أو باعت نفسها بالرخيص.

كان هذا السرد الانتقائي عن الضيق بالفلسطينيين، وعدم الضيق بالمستعمرين العدوانيين، جهدًا منسقًا تنشره قوى مستفيدة لإعادة تشكيل كيفية إدراك الشرق الأوسط ومناقشته، وتطويعه للمصالح الغربية الاستعمارية المعادية بالتعريف، وبعيدًا عن العدالة المستحقة للفلسطينيين وتحرير الإقليم. ومع ذلك، كان الواقع بعيدً كل البعد عن الامتثال.

تحركت الأمور في العام الفائت. شنّ الفلسطينيون، الذين كانت قضيتهم في الطريق إلى الخروج من التاريخ، هجومًا مهينًا على القلعة الاستعمارية الصهيونية. وردّ الكيان المثكول. وأعلن قادته أنهم يضعون كيانهم في معركة عنوانها كل شيء أو لا شيء، ضد الفلسطينيين وكل من يساندهم، بل وضد العالم كله إذا لزم الأمر. ودفعتهم غطرستهم إلى تجاهل حقيقة صعبة لن يغيرها أي قدر من دعم الغرب وتواطؤ «الأصدقاء»: لا يمكن لأي نظام يقاتل لإدامة وجوده باستعداء معظم الآخرين أن يتوقع الأمن أو الشرعية، أو أي ديمومة مستقرة.

على الرغم من وعيد الكيان «بالذراع الطويلة» لضرب المعارضين في أي مكان، تكشف التطورات الأخيرة عن تحول في الوجهة. لأول مرة يخوض الكيان الاستعماري حربًا طويلة مع العرب، وتمتد أذرع المقاومة إلى قلب المدن الصهيونية المبنية على أنقاض المدن الفلسطينية. في العادة كان العرب يُضربون بسرعة وحسم، لكن هذه اللحظة هي انحراف حاسم عن الضربات الخاطفة التي وجهها الكيان بأقل الخسائر. على النقيض من صراعات 1948، و1956، و1967، أو حتى 1973، يواجه الكيان اليوم درجة غير مسبوقة من التهديد الوجودي، بدليل وحشيته الطائشة التي تجلب له العداء المتنامي، على مستوى الإقليم والعالم. ثمة شعور متزايد بتغير وجهة المد. لقد استقر الخوف في مجتمع الكيان، وتضاعف بسبب الصعود غير المقيد للوحشية والتطرف الديني داخل هذه القاعدة الاستعمارية المتقنفذة.

أصبح حلم «إسرائيل» الآمنة المهيمنة، التي تعيش في سلام من الداخل ولا يمكن مهاجمتها من الخارج، يبدو أكثر بُعدًا من أي وقت مضى، لأنه يرتكز في الأساس على وهم. لقد فشلت اتفاقيات السلام المعوَّل عليها، والتي قيل أنها تهدف إلى فتح آفاق دبلوماسية واقتصادية جديدة للكيان، في جلب أي سلام حقيقي. لم تغير هذه الاتفاقيات قلوب الشعوب العربية وعقولها التي تعرف الحقيقة بالغريزة والتجربة. وقد كشفت أحداث العام عن طبيعة الكيان بطريقة لا يمكن الدفاع عنها، وصنعت فرزًا واضحًا لا يمكن التستر عليه.

على الرغم من الخطاب العدواني لقادة الكيان، فإن الاتجاه الحالي ينذر بمستقبل قاتم للمستوطنين الذين عزموا منذ البداية على العيش بالسيف. وعندما يتم تأطير العلاقة بين الكيان والفلسطينيين بـ «إما نحن أو هم»، فإن هذا المنطق اللاإنساني يضمن فقط بقاء الكيان في حالة حرب دائمة، ووضع مستعمريه الذي يريد حمايتهم تحت الخطر الوجودي الدائم. ولن يتمكن المستعمرون في دعم السياسات التي تحتضن التهجير والعنف، من التهرب من المسؤولية عن الجرائم التي يصادقون عليها، وسيكون الثمن الذي يدفعونه في النهاية المحتومة غاليًا ودمويًا. في كل القوانين، يُحكم القاتل الوحشي الواضح بالإعدام أو السجن المؤبد، ولا يترك للقضاة أو أهل المقتول مجالًا للشفقة والتسامح. هكذا يقرر قادة الكيان الذين لا يضيعون الفرصة لتضييع فرصة التواجد بشكل ما في الإقليم.

كتبت ميديا بنيامين و نيكولاس ديفيز مؤخرًا تحت عنوان «حرب إسرائيل على العالم»: «إن إسرائيل لا تهاجم جيرانها فقط. إنها في حالة حرب مع العالم بأسره. وهي مهددة بشكل خاص عندما تجتمع حكومات العالم في الأمم المتحدة وفي المحاكم الدولية لمحاولة فرض سيادة القانون الدولي، والتي بموجبها تلتزم إسرائيل قانونًا بنفس القواعد التي وافقت عليها جميع الدول في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف». وفي كل تصويت حديث تقريبًا في الأمم المتحدة، ظهرت ندرة الدول التي تساند الكيان أمام الأغلبية الساحقة من الدول التي تدينه.

إن سعي نتنياهو وكيانه إلى حرب «وجودية» هو، وفق معظم المعايير، نزوع انتحاري وإفراط مجنون في تقدير الذات، تعميه الغطرسة التي لطالما جلبت السقطة التراجيدية لأصحابها، من إبليس إلى أوديب وبريطانيا العظمى. والذين يراهنون على أبدية الكيان، ويتصرفون على هذا الأساس، سيخسرون معه حتمًا، وهم يخسرون.

  • عن الغد الاردنية
مشاركة