logo
حين تصبح إسرائيل عبئاً على صانعيها في الغرب
الأربعاء 25/05/2022

  • نبيل السهلي

ارتفعت بكثافة لافتة أصوات رسمية سياسية في غالبية دول الغرب؛ منددة باغتيال الجيش الإسرائيلي الممنهج للشاهدة على عسف الاحتلال وجرائمه؛ الشهيدة الإعلامية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة على أبواب مخيم جنين؛ ضف إلى ذلك انزياح المزاج العام الغربي وكثيرا من المؤسسات إلى جانب الحق الفلسطيني؛ بسبب انكشاف العنصرية والفاشية الإسرائيلية خلال العقدين الأخيرين؛ وقد تمت مقاطعة هيئات وأكاديميات وجامعات أمريكية وأوروبية للجامعات الإسرائيلي؛ فضلاً عن مقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية بكونها أحد الرموز الاحتلالية الاستعمارية لدولة الاحتلال الصهيوني التي أنشأها الغرب قبل أربعة وسبعين عاماً (1948-2022).

صناعة غربية

يلحظ المتابع لاتجاهات تطور القضية الفلسطينية على أن إصدار وعد بلفور قبل مائة وخمسة وعشرين عاماً (1897 -2022)، قد أسس لإنشاء إسرائيل عام 1948؛ على 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية وبروز مأساة الشعب الفلسطيني المستمرة بفصولها المختلفة، حيث تمّ طرد غالبيته من أرضه؛ ووعد بلفور هو التصريح البريطاني الرسمي الصادر في الثاني من شهر تشرين الثاني / نوفمبر عام 1917 وأعلنت فيه بريطانيا تعاطفها مع رؤية الحركة الصهيونية في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، على شكل رسالة بعث بها وزير الخارجية البريطاني آنذاك، اللورد بلفور، إلى المليونير اليهودي، اللورد روتشيلد. وقد أرادت بريطانيا أن تحكم فلسطين لموقعها قرب قناة السويس التي تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.

واعتقد البريطانيون أن وعد بلفور سيساعد على كسب التأييد لهذا الهدف من زعماء اليهود في بريطانيا والولايات المتحدة وفي دول أخرى، وفي عام 1922 صادقت عصبة الأمم على وعد بلفور، وأعطت بريطانيا حق الانتداب على فلسطين.

احتلت بريطانيا بعد شهر من إصدار الوعد المشؤوم فلسطين، وبدأت مباشرة بتحويله إلى واقع ملموس على الأرض، بتشجيع الهجرة اليهودية، وسن تشريعات تمكّن اليهود من السيطرة على الأرض الفلسطينية. وقد مهدت بريطانيا لهذا الاحتلال باتفاقية سريّة أبرمتها مع فرنسا عام 1916 لتقسيم الأراضي العربية بينهما، خلافا لعهود قطعتها للشريف حسين بمنح العرب الاستقلال، تمتد من تركيا وحتى بحر العرب، وتشمل بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، باستثناء جنوب اليمن، إذا ثار العرب على الدولة العثمانية. وبالفعل، أعلن الشريف حسين الثورة على تركيا، تنفيذاً لما اتفق عليه مع بريطانيا، في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا وفرنسا تتباحثان على تقسيم المنطقة، وهي مباحثات أسفرت عن إبرام اتفاقية «سايكس – بيكو» التي صنفت فلسطين منطقة دولية، قبلت فرنسا فيما بعد بوضعها تحت النفوذ البريطاني.

وقد اتخذت الخطوات البريطانية لتأسيس الدولة الصهيونية أبعاداً عملية بإنشاء الفيلق اليهودي، وتزويده بالأسلحة والمعدات وتدريب عناصره على القتال، وشرعت بمصادرة الأرض وتشريع القوانين وبناء المؤسسات الصهيونية، واعتقال الفلسطينيين المعارضين.

وشهدت فلسطين عمليات مسلحة وانتفاضات وثورات ضد الاحتلال البريطاني واليهود، وكانت انطلاقة العمل المسلح المنظم عام 1919 عبر جمعية «الفدائية» إلا أن بريطانيا تصدت لهذه الجمعية، وأجهضتها.

وبعد إعلان”بن غوريون“ عن إنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، اعترفت الدول الغربية بها كدولة عضو في الأمم المتحدة ح دون الاكتراث لآلام وجراحات الشعب الفلسطيني وحقه في وطنه التاريخي فلسطين.

دولة أبارتايد

قامت إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 بتغيير بوصلتها بغرض استمرارها كدولة أبارتايد كما نعتتها أكثر من منظمة حقوقية دولية، ويمكن الجزم بأنها صنيعة غربية بامتياز؛ ويذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف بدايةً مع فرنسا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين   كمصدر أساسي لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت إسرائيل بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقاً، واستفادت إسرائيل من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى  منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات  اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية.

وبعد إنشائها في عام 1948 استطاعت إسرائيل استحضار حليف قوي، كان بداية مع كل من بريطانيا وفرنسا، وتالياً استحضار الحليف الأمريكي القوي، حيث تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأخرى في العالم، وظهرت المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ؛ ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية السياسية والإستراتيجية في الشرق الأوسط  من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ودوره في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية من جهة أخرى.

وتعتبر حرب حزيران /يونيو في عام 1967 تحولاً نوعياً وحداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت  فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً  في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل  تلعب الدور الجوهري في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ؛ الأمر الذي ترك بصماته  على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن إسرائيل قد مولت  حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة، وهي بالتالي أي الولايات المتحدة تعتبر شريكاً لإسرائيل في إرهابها وعدوانها وقتلها للأطفال والشيوخ والنساء العرب  وخاصة بعد عام 1967.

أروقة المنظمة الدولية

وقد شكلت المساعدات الأمريكية لإسرائيل أحد أهم وأبرز مؤشرات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1967  مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية ، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لإصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المستمرة على الشعب الفلسطيني، وذهبت الإدارات الأمريكية الى أبعد من ذلك في إفشال إصدار أي قرار دولي يدين الأعمال التعسفية لإسرائيل في المنطقة.

وقد توضح التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً خلال العقود السبعة الماضية من العدوان الإسرائيلي على الشعب  الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، ومن أهم ملامح الدعم الأمريكي لإسرائيل في المستوى السياسي والدبلوماسي دعمها الدبلوماسي والسياسي لإسرائيل سياسة الضغط المستمر على المنظمة الدولية التي أجبرت على إلغاء  القرار الدولي  الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل برزت بكونها السمة الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلَت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية مثل التضخم في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم ، كما حدت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى ، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، من طائرات وغيرها ، وبالتالي تمويل العدوان الإسرائيلي على الدول العربية.

وبالأرقام وصلت قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل حتى العام الحالي 2022 إلى (143) مليار دولار، منها (60) في المائة هي نسبة  المساعدات العسكرية، و(40) في المائة مساعدات اقتصادية.

والملاحظ ان المساعدات الأمريكية لإسرائيل كانت اقتصادية بمجملها قبل عام 1967؛  ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأمريكية الحكومية  التراكمية المباشرة  لإسرائيل إلى (167) مليار دولار  بحلول عام 2030؛ وإذا احتسبنا المساعدات غير المباشرة من الولايات الأمريكية وكذلك مساعدات الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل السنوية ، فان  قيمة المساعدات الأمريكية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة ستصل إلى نحو  (210) مليارات دولار أمريكي بحلول العام المذكور.

ويبقى السؤال؛ هل ستقوم دول الغرب الداعمة لإسرائيل بتغيير موقفها وانحيازها إلى جانب الحق الفلسطيني، بعد الانحياز الملموس للمزاج الشعبي الغربي الى جانب مظلومية الشعب وآلامه؟ والذي تجسد خلال اغتيال الجيش الإسرائيلي للإعلامية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، وكذلك هجوم الشرطة الإسرائيلية على مشيعي جنازة الشهيدة شيرين، ومحاولتها تغييب علم فلسطين الذي بقي خفاقاً؛ حيث يمثل الرمز الأول للشعب الفلسطيني وهويته ووحدته الوطنية ووطنه التاريخي فلسطين.

مع استمرار الكفاح الفلسطيني بأشكال عديدة وانكشاف صورة إسرائيل العنصرية والفاشية أمام العالم، ستصبح الدولة المارقة مع مرور الوقت عبئاً على صانعيها في الغرب.

  • عن القدس العربي
مشاركة