حين يستيقظ العالم على اغتيال هنية
الخميس 1/08/2024- بكر صدقي
نمنا على استهداف إسرائيل لأحد قادة حزب الله العسكريين في الضاحية الجنوبية لبيروت، واستيقظنا على خبر اغتيالها للزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران. فإذا أضفنا إلى الخبرين ضرب الطيران الأمريكي لأحد مواقع الحشد الشعبي العراقي في بغداد، اكتملت الصورة التي سبق وأشار إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند اجتماعه مع بشار الأسد في موسكو قبل أيام بالقول إن المنطقة مقبلة على تصعيد كبير، وهو ما يشمل سوريا أيضاً، معرباً عن رغبته في سماع رأي ضيفه.
الحكومة الفاشية التي يقودها نتنياهو مستمرة في تصرفها كقبضاي الحارة، بلا أي خشية من المحاسبة، بفضل الحماية والدعم المطلق اللذين تتمتع بهما من واشنطن، على رغم امتعاض عواصم التحالف الغربي من هذا الاستهتار، بما في ذلك واشنطن نفسها التي تواصل الكلام على وجوب عدم توسيع نطاق الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.
اغتيال هنية لا يمكن أن يكون حدثاً عابراً. فمن وجهة نظر إيران ذات الطموح الإمبريالي لا يمكنها السكوت على هذا الاعتداء الواقع على أراضيها ووقع ضحيتها زعيم سياسي حليف، وهذا تحد أكثر صعوبة من استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وتتفوق أيضاً على اغتيال قاسم سليماني في بغداد من قبل واشنطن في عهد دونالد ترامب. السكوت على اغتيال هنية سيفرغ كل ذلك الطموح من مضمونه، ويحوّل طهران إلى ما يشبه جنوب لبنان أو الأراضي السورية المكشوفة أمام الضربات الإسرائيلية. وهو ما ينطبق أيضاً على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت بالنسبة لحزب الله الذي تتواتر تهديدات زعيمه حسن نصر الله لإسرائيل بإزالتها من الخارطة كل حين وحين.
ولا تشبه «قيامية» اغتيال هنية بالنسبة لطهران «قيامية» السابع من تشرين الأول بالنسبة لإسرائيل. فهذا الأخير شكل الذريعة التي كان ينتظرها نتنياهو لشن حرب إبادة على الفلسطينيين، في حين لا يتوقع أحد أن تشن إيران حرباً مماثلة على إسرائيل، بسبب فارق القوة والدعم الدولي بين الطرفين والحالتين. ولكن مع ذلك لا تستطيع إيران أن تتجنب الرد المباشر على اغتيال هنية، مع علمها أنها ستعاقب على أي رد، ليس فقط من قبل إسرائيل، بل بمشاركة ودعم حلفائها الأطلسيين، تماماً كما حدث في شهر نيسان الماضي حين أطلقت إيران آلاف الصواريخ على إسرائيل، مع الحرص على ألا تصيب أي هدف تجنباً للرد على الرد. ومع ذلك كانت الكلمة الأخيرة لإسرائيل التي ردت بدورها رداً خلبياً «لعدم توسيع نطاق المواجهة».
هذه المرة مختلفة من وجه آخر أيضاً. فليست طهران وحدها في مأزق ضرورة الرد، بل كذلك حزب الله الذي تلقى ضربة إسرائيلية في حصنه الحصين، الضاحية الجنوبية. وكذلك الميليشيات العراقية الموالية لطهران التي يمكن أن تواصل استهدافاتها لمواقع أمريكية في سوريا والعراق على ما فعلت الأسبوع الماضي وجاءها الرد الأمريكي يوم أمس. وقد لا يغيب حوثيو اليمن عن المشهد بعدما تلقوا أول ضربة إسرائيلية، الأسبوع الماضي، رداً على استهدافهم لتل أبيب.
هكذا تبدأ الحروب العالمية. تغيب السياسة والدبلوماسية كوسيلة لحل الخلافات بين الدول، امبراطوريات ناشئة تبحث عن زيادة حصتها في النفوذ الإقليمي، فتتضارب المصالح، ويختبر كل لاعب إمكانيات الخصوم، ويرد هؤلاء، وهكذا تتوسع دائرة الصراعات وصولاً إلى الاقتتال الشامل بين مجموعة دول. حرب غزة من هذا المنظور تشمل اليوم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كلاً من إسرائيل ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا. ربما لهذا السبب وجد الرئيس التركي نفسه مضطراً لتهديد إسرائيل بعمل عسكري، لأن تركيا أيضاً تعتبر نفسها من الامبراطوريات الطامحة في الإقليم، فحاول أردوغان تعويض الغياب التركي عن هذه المعمعة بتصريح ناري. ولنفس السبب طالب أردوغان الرئيس الفلسطيني محمود عباس باعتذار لأنه لم يتجاوب مع دعوته إلى تركيا لإلقاء كلمة أمام البرلمان التركي رداً على خطاب نتنياهو الفضائحي أمام الكونغرس الأمريكي. كذلك هي حال الصين التي حاولت تعويض غيابها عن مشهد الشرق الأوسط باستضافة المصالحة الفلسطينية بين السلطة وحماس.
منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، في شباط 2022، بدأ كثير من المحللين يتحدثون عن الحرب العالمية الثالثة كاحتمال يزداد قوة باطراد، وبخاصة كلما هددت موسكو باللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية، وهذا ما حدث بصورة متواترة خلال السنتين الماضيتين.
الآن يزداد خناق التحدي الإسرائيلي على عنق طهران التي ما زالت ردود فعلها تتسم بالواقعية وتجنب الأسوأ. ولكن إلى متى؟ هذا الضعف الإيراني هو ما يغري نتنياهو بالمزيد من استفزاز طهران على أمل جرها إلى حرب لن تكون إسرائيل وحيدة في مواجهتها.
لدينا إذن كل مبررات الحديث عن حرب عالمية مكتملة الأسباب. امبراطورية أمريكية مع حلفها الأطلسي لا تسمح ببروز امبراطوريات جديدة طامحة، الصين وروسيا وإيران، وإلى حد ما تركيا. في حين لا تخمد طموحات الدول المذكورة التي لمست في الشقاق الداخلي الأمريكي علامة ضعف تسعى لاستغلالها. وبدلاً من شرارة واحدة لإشعال فتيل الحرب العالمية لا يخلو شهر من شرارات عدة منذ شباط 2022، وبخاصة منذ 7 تشرين الأول 2023. فلم يعد السؤال هل ستندلع حرب عالمية ثالثة، بل متى يتم الإعلان عنها بصورة رسمية ونحن نعيشها عملياً؟
- عن القدس العربي