logo
دونالد ترامب وجائزة نوبل: مسيرة «سلام» من صخب وتهديد
الإثنين 20/10/2025
  • سامية عيسى

في كل عام، تتجه أنظار العالم إلى أوسلو، حيث تُمنح جائزة نوبل للسلام، التي وُضعت معاييرها على يد ألفريد نوبل لتُكرم من يعملون على نشر «الأخوة بين الأمم، وإلغاء أو تخفيض الجيوش الدائمة، وتشجيع مؤتمرات السلام». لكنّ هذا العام كان استثنائيا. ففي عالمٍ تسود فيه المفارقات، يبدو أنّ هناك مرشحاً استثنائياً مواظبا على نيلها، ولا يزال يسعى لنيلها، لكنه يرى أنّ الطريق إلى السلام يمر عبر التلويح بالتهديدات، وإشعال الصراعات التجارية، وتقويض التحالفات الدولية.. إنّه دونالد ترامب، الذي أصبحت مساعيه لنيل الجائزة مادة خصبة للسخرية في الصحافة الأمريكية والعالمية. وها هي الجائزة تُمنح هذا العام لزعيمة المعارِضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، تتويجا لجهودها في «تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا»، حسب بيان اللجنة المانحة للجائزة. وها هو دونالد ترامب ما زال يمني النفس في نيلها، وإلا كيف نفهم هذا المؤتمر المفتعل في شرم الشيخ منذ عدة أيام، إلا بوصفه نوعا من الترويج لنفسه كصانع سلام، لم يفوّت فيه أساليب التهريج المعتادة، وبدا أقرب إلى عريف الحفلة منه إلى زعيم دولي. فهل ينجح ترامب في نيل جائزة نوبل للسلام في دورتها التالية؟ يبدو السؤال كنكتة سمجة. إذ لم تتمكن الصحف الأمريكية أو الغربية على السواء من كبح جماح نفسها في التهكم، أو حتى من هضم الفكرة.

«نيويورك تايمز»: سلام بالصفقات لا بالدبلوماسية

منذ أول ترشيح له في عام 2020، سخرت صحيفة «نيويورك تايمز» من فكرة أنّ ترشيح ترامب لجائزة السلام كان بفضل «صفقات إبراهام» التي قادها. اعتبرت الصحيفة أنّ «ترشيح ترامب هو نكتة سيئة، لأنّ السلام لا يُصنع بصفقات خلف الكواليس، بل عبر بناء الثقة والعدالة بين الشعوب». وفي الآونة الأخيرة، ومع استمرار حرب الإبادة في غزة، بات موقفه أكثر وضوحاً في دعم طرف على حساب آخر. إلا من تصريحات غامضة مبطنة متناقضة، يمكن أن يخدع بها لجنة نوبل عن سعيه لإنهاء الحرب، حسب ظنه. فقد نقلت الصحف عنه في مقابلة له مع مجلة «تايم» في مايو 2024 قوله إنّه «يمنح إسرائيل كل الحرية لإنهاء المهمة»، وهو تصريح يراه كثيرون بمثابة إعطاء ضوء أخضر لاستمرار العنف.

«واشنطن بوست»: وعود الـ24 ساعة لإنهاء الحروب

عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا، يقدم ترامب «حلاً» لا يملكه أي زعيم آخر. فقد سخرت «واشنطن بوست» من وعوده المتكررة بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، وبينما فشلت الدبلوماسية الدولية في إيجاد حل، يرى ترامب في نفسه ساحراً قادراً على قلب الحقائق بكبسة زر. لكن الصحيفة أشارت إلى أنّ هذا «الحل» يرتكز على مقترح غير واضح – كما خطته لإنهاء الحرب في غزة – قد يتضمن إجبار أوكرانيا على التنازل عن أراضيها لروسيا، وهو ما اعتبرته «وصفة للمزيد من الصراع وليس السلام». إنّ رؤية ترامب لإنهاء الحرب لا تتطابق مع معايير الجائزة التي تتحدث عن «الأخوة بين الأمم»، بل تعكس فلسفة «فن الصفقة» التي يراها ترامب أساساً لجميع علاقاته الدولية. ولعلّ أبرز ما يوضح هذه الفلسفة، هو إصداره الأمر بتنفيذ غارة في يناير 2020 أدت إلى مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني. أثار هذا العمل توترات بالغة، وكاد أن يشعل حرباً إقليمية واسعة، لكن في منطق ترامب، كان هذا «حلاً» سريعاً ودقيقاً للمشكلة، وكأنّه يقول: «لا يمكن أن يكون هناك صراع إذا لم يكن هناك من يقاتل»- أي من ينهي النزاع بالقوة.

«الغارديان»: سلام بالتعريفات الجمركية لا بالتحالفات

ربما أكثر ما يثير السخرية في مسيرة ترامب نحو السلام هو طريقته في التعامل مع الحلفاء والأعداء على حد سواء، فقد تناولت صحيفة «الغارديان» البريطانية في مقالاتها التهكمية تهديداته المستمرة برفع الرسوم الجمركية على دول كبرى مثل، الصين والهند وحتى كندا، والتي يعتبرها «سياسة حمائية». وبعد العرض العسكري الضخم الذي أجرته الصين مؤخراً، لم يتردد ترامب في إطلاق تهديداته مرة أخرى. لقد نقلت عنه الصحافة الدولية تصريحات استفزازية تجاه الصين والهند وكندا، حيث صرّح في إحدى مقابلاته بأنّ «التعريفات الجمركية هي أفضل أداة للسلام، لأنها تجعلهم يعاملوننا باحترام». هذه التصريحات، التي أطلقها في سياق العرض العسكري، لا تعكس رغبة في «الأخوة بين الأمم»، بل إصراراً على إشعال حروب تجارية قد تؤدي إلى توترات جيوسياسية أوسع نطاقاً، وهو ما يتناقض بشكل كامل مع روح الجائزة. علقت «الغارديان» قبل عام تقريبا في عددها الصادر في 1 أكتوبر 2024 قائلة: «لو كانت جائزة نوبل تُمنح لمن يثيرون أكبر قدر من الضجيج حول إنجازاتهم، لكان ترامب الفائز الأبدي»، بعد إعلانه في حملته الانتخابية عن نيته بالفوز بالجائزة، والتأكيد على سعيه لوقف الحرب الروسية الأوكرانية.

خطاب الأمم المتحدة: ترويج الأكاذيب في ظل الحرب

جاء خطاب ترامب الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كأداة تسويق مباشرة لـ»نوبل العاجلة». لقد روج فيه لأكاذيب صريحة حول «صنعه السلام في أكثر من نزاع دولي»، وهي ادعاءات تتهاوى أمام الواقع المشتعل. إنّ المفارقة الأكبر تكمن في موقفه من حرب غزة. ففي الوقت الذي يسعى فيه لإثبات أنّه «صانع سلام»، يواصل دعمه غير المشروط لنتنياهو، رغم تمريره – قبيل إعلان الجائزة ـ خطة عاجلة لإنهاء الحرب في غزة، قد تسير في الاتجاه المعاكس للسلام، لما يكتنفها من غموض وما ينقصها من ضمانات، ما بدأ يتضح بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار وإعادة إقفال المعابر، وتلويحه بإجبار حماس على تسليم سلاحها بالقوة، إن لم تفعل طوعا. هذا الاستعجال «للحصول على موافقة الجميع على خطته» قبيل إعلان الجائزة، هو من باب تقديم نفسه بوصفه الشخص الذي أوقف حربا دموية هي الأشرس في التاريخ الحديث. وهي الحرب التي تتطلع لوقفها الاحتجاجات العارمة عبر العالم، التي قمع هو نفسه ناشطيها. إنّ سعيه الحثيث لوضع خطة مستعجلة لإنهاء الحرب لا ينطلي على الكثيرين. إذ ربما تكون غطاء آخر لـ»محاولته تهجير أهل غزة منذ خطة التهجير السافرة» التي أعلنها بمجرد اعتلائه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، حين أعلن بكل فجاجة نيته «إنشاء مشروع عقاري على شواطئ غزة الجميلة، على غرار الريفييرا»، ولم يتورع عن ممارسة الضغط العلني السافر على مصر والأردن لاستقبال اللاجئين، وإلا لماذا أتى كوشنير صهره إلى تل أبيب قبيل توقيع الاتفاق وتجوّل مع ويتكوف في غزة؟ إن مشاركته العسكرية في الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران وقصف قواته عدة مواقع عسكرية ونووية في إيران، فضلا عن المناورات العسكرية المشتركة التي أجراها الجيش الأمريكي خلال الشهرين الماضيين في محيط الصين تحت عنوان «درع الحرية أولشي» و»الصولجان الحديدي» مع كوريا الجنوبية، ومع اليابان في مناورات «التنين الحازم»، ومع كلا البلدين في مناورات «حافة الحرية»، التي تنذر بإشعال الحرب العالمية الثالثة، أو أقله اتباع سلوك خطير مزعزع للاستقرار. فكيف له والحال هذه أن يحلم بجائزة نوبل للسلام؟
نوبل في زمن العبث
في النهاية، يبدو أن لجنة نوبل للسلام أمام معضلة حقيقية، فمن ناحية، لديها المعايير التي وضعها ألفريد نوبل، والتي تتحدث عن السلام القائم على التفاهم والتعاون. ومن ناحية أخرى، لديها مرشح يرى أن السلام يُبنى على القوة والتهديد والصفقات. في عالمٍ تتلاشى فيه الفروقات، قد لا يفهم البعض لماذا لم يُمنح ترامب «جائزة نوبل للسلام» بعد، لكن من يقرأ تفاصيل أفعاله يدرك أنّ سعيه للجائزة هو في حد ذاته أكبر نكتة في زمن العبث الدبلوماسي والبلطجة الدولية.

  • عن القدس العربي

 

مشاركة