logo
رمزان فلسطينيان في الفن والتلحين
الثلاثاء 29/03/2022

  • نبيل السهلي

تشكلت وارتسمت الهوية الوطنية الفلسطينية بفعل نشاط الشعب الفلسطيني الدؤوب على مر تاريخ فلسطين الوطن؛ في مجالات الاقتصاد والعمران والصناعة والزراعة والطباعة والمسرح والأدب والرياضة والترجمة، وكذلك الغناء والتمثيل والفن والتلحين؛ وهنا نستحضر سيرة رمزين؛ هما الراحل الملحن والموسيقار رياض البندك والراحل الفنان وملحن أناشيد الثورة الفلسطينية مهدي سردانة.

مدينة بيت لحم

كان رياض البندك ملحنا وموسيقارا فلسطينيا من مدينة بيت لحم؛ وقد ولد في الرابع من تموز /يوليو عام 1924 وتوفي في دمشق بتاريخ السابع من شباط / فبراير 1992.

بدأت المحطة الأولى في حياة رياض البندك في بيت لحم، حيث سكنت عائلته وعملت كما كانت محل أشغالها، والده هو السيد عيسى البندك صاحب جريدة الشعب والذي كان أيضُا رئيس بلدية بيت لحم.عرف عنه حبه للصحافة أيضا وعمل فيها مع أخيه ‹يوسف البندك›. لحن لكبار الفنانين مثل الفنان اللبناني الراحل وديع الصافي وماري جبران وربى الجمال، وقد أعجب بفنه الموسيقار الراحل الكبير محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي؛ الذي علق بقوله على لحن يا «عيني عالصبر» :إن هذا اللحن بمثابة مدرسة فنية كاملة. وقد لحن أيضاً للفنان اللبناني الراحل نصري شمس الدين، وكذلك لملحم بركات، جورج وسوف، نهاد طربيه، فهد بلان واكتشاف صوت المطربة فاتن الحناوي شقيقة مطربة الجيل ميادة الحناوي حيث لحن لها «يا من سقانا»، الذي نالت الجائزة الأولى في مهرجان تونس الغنائي عام 1967. وكان من أول من ساعد المطربة فايزة أحمد إلى النجاح. في عام 1945 قام بتلحين أول أغنية له وهي بعنوان”تحية عرب فلسطين إلى أرض الكنانة“. بدايته التي اختلطت بالاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، وبهذا انتقل إلى العاصمة السورية دمشق وكانت بعد ذلك مرقده الأخير أيضًا، قد أشرف هناك على القسم الموسيقي في إذاعة دمشق لفترة طويلة. اتصف البندك بالمرونة ولم يلتزم في أعماله، فبرع في التأليف الأغاني والأناشيد كما في موهبة التلحين. كانت رسالة رياض البندك للفن:”أن تصبح الموسيقى الشرقية عالمية، يسمعها القريب والبعيد من مشارق الارض ومغاربها.“

نجم شعراء المقاومة

في الوقت الذي سطع فيه نجم شعراء المقاومة بعد نكبة عام 1948؛ أبدع العديد من الفلسطينيين في التلحين لاغاني المقاومة، وفي مقدمتهم الفنان والملحن مهدي سردانة ، حيث لقبّ بعدة ألقاب منها ”ملحن أناشيد الثورة الفلسطينية“، و”الموسيقار المجهول“، ”وقيثارة الثورة الفلسطينية“، كان يحلم قبل رحيله بـ”وحدة فلسطينية صادقة وصحيحة“، وأن يزور قبر والده في قريته التي هُجِّر أهلها. ولد مهدي سردانة في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1940 في قرية الفالوجة داخل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وتوفي في القاهرة في ايلول /سبتمبر من عام 2016. بدأ وهو صغير حضور الجلسات التي كان والده محمد سردانة؛ وهو شيخ طريقة صوفية؛ ويقيمها في بيت الأسرة في الفالوجة، وكان يستمع لتلاوة القرآن والأذكار. وأكد الراحل في لقاء مع تلفزيون فلسطين بث عام 2015 أن تلاوة القرآن الكريم علمته التلحين، وأن من لا يعرف القرآن لا يعرف اللغة العربية. وخلال هذا اللقاء قال الملحن الراحل إنه يشتاق إلى قريته الفالوجة ليزور قبر والده الذي لم يره. على إثر النكبة التي وقعت عام 1948 انتقل إلى الأردن ومكث فيها حوالي سنتين، ثم عاد إلى قطاع غزة والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية مبكرا. وبعد أن استقر به المقام في مصر عام 1958، عمل سردانة في إذاعة ”صوت العرب“، حيث كان بصحبة كل من فؤاد ياسين”ابوخالد“ وهو من قرية شفاعمر قضاء حيفا، والفنان أبو عرب وكامل عليوة. تأثر سردانة بعد عودته إلى غزة بالتراث الغنائي الفلسطيني، وبدأ مسيرته الفنية مؤديا لألحان كبار الملحنين المصريين من أمثال بليغ حمدي ورياض السنباطي. وقد ظهرت ملامح إبداعاته الموسيقية من خلال إذاعة ”صوت العرب“ في القاهرة، ثم انتقل إلى إذاعة ”صوت العاصفة“ الناطقة باسم الثورة الفلسطينية التي كانت تبث من القاهرة، فالتقى هناك بالشعراء صلاح الحسيني ومحمد حسيب القاضي، وشكّلوا معا ما يشبه رابطة لإنتاج الأناشيد الثورية وتلحينها ونشرها عبر أثير صوت العاصفة، التي أصبح اسمها ”صوت فلسطين“. وكانت معظم الأغاني التي لحنها سردانة تبث في إذاعة فلسطين في بغداد ودمشق. لحن سردانة الكثير من الأغاني منذ النكبة، ومن بينها ”طالعلك يا عدوي طالع، و”ثوري ثوري يا جماهير الأرض المحتلة“، و”أنا يا أخي“، و”عالرباعيه“، و”يا شعبنا في لبنان“، و”شدو زناد المارتين“، و”جرّ المدافع، يا شعبي كبرت ثورتي“. وكان مهدي يتمنى أن يلحن لنصر فلسطين، وأن غايته لم تكن كسب المال، وأنه كان يقاتل بالجملة الموسيقية. وقد دخلت أناشيده كل بيت فلسطيني وكانت تردد يومياً في داخل فلسطين وفي شوارع المخيمات ومناطق اللجوء البعيدة وخاصة من قبل الشباب والشابات الفلسطينيات؛ وهو بذلك ايقونة الثورة الفلسطينية بامتياز؛ وأضحت الأغاني التي لحنها رصيدا فنيا للهوية الوطنية الفلسطينية وللتاريخ الفلسطيني المقاوم في آن.

  • عن القدس العربي
مشاركة