logo
سليم عاصي يوثق تاريخ النكبات على جدران المخيم
الخميس 8/02/2018

البقاع ـ شبابيك – وائل محسن

الرسم على الجدران او ما يعرف بـ “الفن الغرافيتي”  شكل من أشكال حرية التعبير الحضاري ونفحة إنسانية وحاجة طبيعية تصاحب الإنسان في كل مراحل حياته.

حسب بعض الدراسات كان أول ظهور لهذا الفن في باريس, لكن دراسات أخرى رجحت انطلاقها من نيويورك.

انتعش هذا الفن بشكل كبير في الوطن العربي خلال الثورات الحديثة  لكن  شباب فلسطين استخدموا الغرافتي قبل ذلك مع بداية الانتفاضة الأولى وبعد بناء جدار العزل العنصري.

شهد الجدار رسم لوحات بديعة تؤرخ الاحتجاجات الفلسطينية على الإنتهاكات الإسرائيلية الصارخة لحقوق الإنسان وتبنى العديد من اللاجئين الفلسطينيين هذا الفن وأخذوه سبيلاً في إطار إبراز القضية وأحقيتها.

ولأن فلسطين الإنتماء والهوية والبوصلة، أطلقت مجموعة من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان المقيمين في الدنمارك مشروع جداريات الفن المقاوم تحت شعار من الشعب إلى الشعب.

سليم عاصي من أبناء مخيم الجليل في بعلبك ترعرع في مخيمات اللجوء في لبنان قبل أن يسافر إلى الدنمارك عام 1992. لم ينس قضيته بالرغم من سفره وحياة الرفاه التي تمكن من الحصول عليها في أوروبا، كان الحب والإنتماء الذي بداخله قويا ولا يقاس بالجغرافيا.

انطلق مشروع الجداريات التي تبنى فكرتها سليم عاصي كعمل فردي تطوعي واستطاع بمساهمة الاصدقاء في الدنمارك أن يقدمها لسكان المخيمات الفلسطينية في لبنان.

بدأ المشروع كتعبير عن مشاعر الفلسطينين المغتربين في أصقاع الأرض، يحكي رواية اللجوء الفلسطيني منذ النكبة حتى الآن، على جدران المخيمات التي صارت شاشة مرئية على الطرقات.

مزج بين التاريخ والجغرافيا في تسلسل روايته، من الأبعد فالأقرب لأرض فلسطين، ومن توقيت النكبة الاولى إلى وقتنا الحالي، وانتهاء بمسقط رأسه بعلبك.

بدأ سرد روايته على جدران مخيم الرشيدية التي أخذ أبو حسن يتحدث فيها لحنظلة عن طبيعة بلاد فلسطين وخيراتها وجمالها في بحرها وسمائها وهوائها، مؤكداً على أن وعد بلفورالمشؤوم كان الحدث الرئيسي للنكبة.

انتقل الى مخيم البص حيث أبو صالح الذي يتطرق لجلب اليهود إلى فلسطين ودعمهم بالمال والسلاح وتآمر الأنظمة العربية وخروجها من فلسطين وحدوث النكبة. ثم مخيم البرج الشمالي حيث ام عاطف التي كانت مؤمنة بالعودة ولكن جار الزمان عليها وأقامت في المخيمات. محطته التالية كانت في مخيم المية ومية حيث استمع لرواية أبو غازي: فلسطين معروفة برجالها بعشقو الحرية وما بهابو الموت، هبينا ثورة بالخمسة وستون، وعالحق ثابتين، صمدنا وبعدنا صامدين، وعالقدس راجعين.

يحمل رسالة مليئة بالحب والالم لام صابر في مخيم عين الحلوة التي أنهكتها خلافات أولادها وقتالهم المستمر ويتجه بعد ذلك الى أبو حازم في مخيم برج البراجنة ليحدثه عن الصمود: يا ابني الصمود إنك توقف بوجه الموت وما تهابه، والتاريخ بيشهد عصمودنا أيام الاجتياح في 1982 ورغم كل يللي صار فينا ضلينا متمسكين بقضيتنا لليوم وقدمنا شهداء وتضحيات كبيرة. وكانت أم العبد تنتظره في مخيم شاتيلا وحدثته بعزة: نحنا قدمنا شهداء يا ستي للوطن، وما تنسى مجزرة صبرا وشاتيلا ومن قبلها مجزرة تل الزعتر. الوطن يا ستي هو إنك تحملو متل ما بحملك، وإن ما عشت فيه خليه يعيش فيك، هو ماءك وخبزك وملحك، بتنام بتحطو على مخدتك، بتفيق الصبح بتشوفو بقهوتك، حب الوطن من حب الله ياستي، وهذا ما سمعه من أختها أم صبحي في مخيم مار الياس. وصل الى مخيم البداوي وسأل أبو أكرم شو علاقة وطننا بالدين سيدي، قال له “كنك مش فايت مدارس يا سيدي” فلسطين، أرض الرسالات ومهد الأنبياء، أرض مباركة وأهلها مباركين، الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى الرسول الأمين، فتحها عمر وحررها صلاح الدين “وإحنا من الله بالعودة موعودين وأخوي بنهر البارد عنده اولاد في مخيم الجليل روح اسألهم عن الإصراروالتحدي واليقين.

عند وصوله لمخيم الجليل سمع ماكان به مريب: أتسألنا عن اليقين، قسما برب العالمين، عهدا ووعدا لن نتخلى عن فلسطين، سنبقى لرسالة الأجداد حاملين وللأمانة حافظين وبالأرض متمسكين، لن نستسلم ولن نساوم ولن نلين ولن نتنازل عن شبر من فلسطين، سنقاوم بالبندقية بالقلم بالرسم بالسكين فإما عودة أو فتح مبين وإما شهادة تعلي الجبين.

 حقق المشروع تواصلاً بصرياً في المخيمات بمفهوم الفن المقاوم ولم يكن الهدف منه شرح الأحداث التاريخية للنكبة لجمهور الزائرين والوفود بقدر ما هو رسالة لأهالي المخيمات والجيل الجديد بحجم التشابه في القصص المروية داخل المخيمات وظروفها.

مفهوم المثقف المشتبك لا يقتصر على الكتاب والصحافيين والمنظرين بل على كل من يملك أداة من أدوات المعرفة يستخدمها لتكون ضمن بوتقة واحدة في مواجهة المشروع الصهيوني و أثاره على واقعنا في الداخل المحتل والشتات.

الفن المقاوم الذي عمل عليه سليم عاصي يحمل أهم أداة من أدوات المواجهة وهو الوعي الحقيقي بالقضية وتاريخها والجرأة على تقديم هذا الوعي من خلال لوحات في الشتات الفلسطيني الذي وصل لعواصم أوروبية كثيرة

مشاركة