logo
عن فيلم «لا أرض أخرى»
الأحد 9/03/2025
  • ريما كتانة نزال

فور إعلان فوز الفيلم الفلسطيني الإسرائيلي المشترك «لا أرض أخرى» بجائزة الأوسكار الأميركية في هوليوود في الحفل السابع والتسعين، غمرت الشارع الفلسطيني موجة عارمة من الفرح للإنجاز المهم الذي يعبر فيما يعبر عنه: تحقيق الفيلم الوثائقي اختراقاً سياسياً مهماً للوعي العالمي، ما ترتب عليه مقاطعة معظم دور السينما الأميركية له رافضة عرضه رغم حصوله أيضاً على جائزتين من مهرجان برلين السينمائي الرابع والسبعين 2024، بينما في فلسطين أثار الجدل والخلاف بعد أن اعتبرته الحملة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب استثماراتها في بيان صادر عنها نشاطاً تطبيعياً بسبب مخالفته معايير الحملة لجهة التطبيع وبالتالي دعت إلى مقاطعته.
وكأن موقف الحملة الوطنية بمثابة الماء البارد على الأجواء الحارة التي استقبل بها حال حصوله على جائزة «الأوسكار» كأفضل فيلم وثائقي، فالحركة لها رمزيتها وتحيطها هالة تشبه القداسة نظراً لما حققته من إنجازات عديدة في توسيع دائرة المقاطعة العالمية للاحتلال وإحداثها الوعي حول جذور القضية الفلسطينية والحالة الفلسطينية تحت الاحتلال الاستعماري الكولونيالي.
دأب المخرجون الفلسطينيون بانتظام على تقديم الأفلام للمهرجانات الدولية من أجل تعميم الرواية الفلسطينية من زوايا مختلفة، فلطالما كانت السينما إحدى الأدوات والوسائل القوية للتعبير عن القضايا السياسية والثقافية المثيرة للجدل والانقسام بين الأفراد والمجتمعات، فالسينما لا تقتصر وظيفتها على الترفيه، بل تتجاوز ذلك لتصبح أداة للنقاش بخلقها مساحات للحوار للقضايا الجدلية والخلافية، والتحليل وتعزيز المعرفة، وإعادة التفكير في المواقف الراسخة وخاصة في دول الغرب الذي يمتلك مواقف راسخة مشوهة عن القضية الفلسطينية يعود بعضها إلى الإعلام المنحاز والتعمية المقصودة، وأكثر المواقف عائد إلى ما أحدثته «الهولوكوست» من وعي مشوب بتأنيب الضمير يناصر إسرائيل ظالمة أو ظالمة، يدفع الفلسطينيون عمّن ارتكبها أثماناً باهظة!
الفيلم المتهم بالتطبيع، قام بوضع المشاهد حول العالم أمام أحد مشاهد التطهير العرقي على أرض مسافر يطا التي هزت بداية لجنة التحكيم لجوائز الأوسكار، ومن خلال النموذج الصغير طرحت على بساط رؤية نظام الفصل العنصري والقضية الفلسطينية عموماً، قال الفيلم ما لا تحسن البيانات والخطابات السياسية قوله، كونه تمكن من محاكاة الواقع من خلال تظهير المشاعر المرافقة للصورة، مقدماً رؤية غير مألوفة للسردية الفلسطينية بشهادة من الإسرائيلي الذي خدمها وجوده وإقراره بممارسة دولته التمييز العنصري واللامساواة وسرقة الأرض والبطش والوحشية، في منطقة جغرافية صغيرة مثل مسافر يطا، استهدفها الاحتلال بالسيطرة عليها بحجة استخدامها كمكان للتدريب العسكري كما يحصل في أكثر من منطقة في الضفة الغربية.
مثلت مسافر يطا نموذجاً عن انتهاكات الاحتلال في جميع أرجاء فلسطين المحتلة، ليفتح الفيلم أمام المشاهدين المجال لاكتشاف الحقائق على الأرض خالقاً مساحة كبيرة للتشكيك بالسردية الإسرائيلية من خلال أداة إبداعية كاحتفال جوائز الأوسكار تضع ضوءاً مبهراً،
على زوايا غير مرئية في فلسطين وخاصة أن الفيلم اعتمد التوثيق ككاشف للواقع المعيش، ليتم تفهمه أكثر ويحقق التعاطف والتضامن معها، مناقضاً لما يتم تقديمه في الخطابات السياسية المنحازة والإعلام المجرد من وقائع الحياة، خالقاً مساحة للحوار يمكن من خلالها تحقيق فهم أعمق للحالة الفلسطينية كواحدة من أهم القضايا العالمية الشائكة في عقر دار أميركا، تكسر الصورة النمطية للفلسطيني المناضل وتفككها وتعيد تشكيل الوعي والسردية، خاصة إذا ما تراكمت الجهود المختلفة وتوحدت.
حركة المقاطعة لإسرائيل وسحب استثماراتها إنجاز فلسطيني ينبغي دعمه واستمراره كأداة كفاحية، لكن بعد التجربة الأخيرة في موقف الحملة الوطنية إزاء الفيلم بما أثار الجدل والخلاف، لا بد من أن تقوم الحملة بفتح النقاش واسعاً حول الرؤية من أجل تحديثها وتجديدها واستيعاب المستجدات التي أظهرت العديد من النواقص والثغرات التي لا تساعد على تحقيق الاختراق المطلوب وخاصة في الأبعاد الثقافية التي تحتاج إلى معايير مختلفة عن المعايير السياسية وأدوات القياس المعتمدة للمنصات المشتركة بين فلسطينيين
وإسرائيليين، انطلاقاً من قدرتها وهدفها في فتح أشكال من الاشتباك مع الاحتلال، أو أن توفر الفرصة أمام الانفتاح على العالم بمساهمات هادفة إلى كشف الحقائق وفضح الاحتلال وفي تغيير الرأي العام وتحفز على التفكير، التي جعلت بعض اليهود في أميركا يعارضون حرب الإبادة في قطاع غزة ويعلنون شعارهم الشهير: «ليس باسمنا».

  • عن الأيام الفلسطينية

 

مشاركة