logo
غزالة الناصرة العنيدة
الأحد 25/03/2018

صور ـ شبابيك ـ ايمان جمال الرفاعي

عشقت الموسيقى صغيرة وتماهت معها، على ايقاعاتها اتسع ادراكها الوطني، لتتالق في المهرجانات والمناسبات الوطنية التي كانت تقام في مسقط رأسها، وحينما تخرجت من المدرسة الثانوية، قررت احتراف الغناء، فسافرت من الناصرة إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى.

تشربت ريم بنا بعض حيوية والدتها الشاعرة زهيرة الصباغ وعملت بعد تخرجها على تطويع التراث والموسيقى وتأليف الاغاني وتلحينها فحملت الريح روحها الى جهات الارض الاربع.

وصفوها وهي تصارع المرض بانها “غزالة الناصرة الجميلة التي لم يتعبها السفر في الآفاق” ورحلت على مهل، تمشي برفق كي لا تزعج أطفالها النائمين في القصائد.

رحلت غزالة فلسطين الجميلة بعدما وزعت حنينها اغنيات عذبة تداعب وجه الإقحوان في مرج ابن عامر، راسخة كسنديانة نستريح في ظلها يوم العودة المنشود، مضيئة كشمعة يبدد ضوءها ظلام المراحل.

عنيدة كبندقية ثائر في غمار المعركة، رقيقة كقطرة ندى على نافذة صباح يطل على الكرمل، كثيفة كغيمة ماطرة في الطريق بين القدس ويافا، رقيقة كعروس ترقص فوق غيم أبيض، رحلت ريم وظل صوتها يردد:

“احكي للعالم احكي له عن بيت كسروا قنديله، عن فاْس قتلت زنبقة وحريق اْودى بجديله، اْحكي عن شاة لم تحلب، عن قهوة صبح لم تشرب، عن عجنة اْم ما خبزت، عن سطح طيني اْعشب، اْحكي للعالم اْحكي له”.

رحلت بعد ان رسخت مكانا في قلوب الفلسطينين، اخترقت حواجز الخلاف السياسي والعقائدي وكأنها تحقق وحدتهم التائهة ، لصوتها الملائكي وقعه في قلوبهم، ولأغنياتها الراقية وجمال روحها أثرا في نفوسهم وغنى شخصيتها وتواضعها وسلوكها مع الناس أثرا عميقا في وجدانهم.

 زاد من اعتزازهم بها عشقها للتمرد على الظلم والقيد والإحتلال، وقوتها وجبروتها على مقاومة المرض، على مدى تسع سنوات، حيث اصبحت رمزاً للاصرار والثبات على قهر ذاك الخبيث الذي تسلل الى جسدها النحيل.

 كتبت بعنفوان انثى رفضت ان تستسلم:

شكراً لـ “وعكة” مصابة بي ..

دفعتني لقلب “الطاولة” .. بل لتحطيمها ..

حفّزتني لأقول “لا” ……

وشجّعتني لاتخاذ قرارات مصيرية نشلتني من حياة تسير في موت بطيء، وها أنا الآن، في ذروة التجلّي …

ريم بنا التي تجسد تجربتها معاناة شعب يرزح تحت أعتى أشكال الاحتلال في التاريخ ظلت حتى الرمق الأخير تقاوم لتكون الأيقونة التي يحملها أبناء شعبها الفلسطيني وهو يقاوم.

صدح صوتها بترانيم “يما مويل الهوى” على درب العودة المنتظرة،  تبشر الأسيرات والأسرى بشمس الحرية القادمة، تغني للشمس في خنادق المقاومة  وللحب في عيون الفلاحين، للسائرين إلى الساحات ربيعا على امتداد السهول والجبال، هناك عند الحدود حيث تنتصب شواهد قبور محمود درويش وتوفيق زياد، سميح القاسم وفدوى طوقان يرسمون شارات النصر ويلوحوا فرحا بالقادمة صوبهم، يحرسون أحلامنا ونحفظ عهودهم باكمال الطريق.

ريم التي كان الموت يتسلل إليها خفية كانت وصيتها الأخيرة: قاوم، قالت “احرقوا جسدي بعد مماتي وعبئوا رفاتي في زجاجة عرق نصراوي واحشوها بالبنزين والمواد المشتعلة لتتحول إلى مولوتوف في يد مقاوم يرجم بها اعداء الحب وطغاة الارض”

مشاركة