قمة النقب وشرارة الغضب
الإثنين 4/04/2022- عبد الحميد صيام
إسرائيل هي من أطلق على اجتماع وزراء الخارجية الستة الذين التقوا في مزرعة بن غوريون في النقب المحتل «قمة النقب» للإعلاء من شأن الاجتماع، علما أن صفة القمة للاجتماعات لا تطلق إلا على مؤتمرات بمشاركة رؤساء الدول فقط. وإسرائيل هي من وصف الاجتماع بالتاريخي وهي من دعت إلى الاجتماع ومن رسم أهدافه ومن جنى ثماره.
ولعل صورة تشابك الأيدي بين أعداء الأمس وأحباب اليوم تعبر بشكل بليغ عن مدى الهوان والضحالة والتمزق الذي وصلت إليه بعض الأنظمة العربية وخاصة جماعة «السلام الإبراهيمي» الذين طعنوا الأمة في ظهرها وداسوا على كرامة شعوبهم وقدموا قضية فلسطين هدية للمستعمر القاتل العنصري من أجل مكاسب ذاتية يعتقدون أنها ستخرجهم من وحل الهوان الذي غرقوا فيه.
وأكثر ما يثير الغثاء أن يردد بعض الحاضرين دعمهم اللفظي الذي لا قيمة له للعملية السلمية وحل الدولتين وهم أنفسهم من داس على مبادرة السلام العربية لقمة 2002 التي أقرت التطبيع بعد تحقيق قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين بطريقة عادلة. ولو بقي للقيادة الفلسطينية بقية من كرامة لطالبت هذه الدول بعدم ذكر اسم فلسطين على ألسنتهم ولقالت لهم بصوت مسموع: «كفى متاجرة بالقضية الفلسطينية، إذهبوا وطبعوا وخونوا كما تريدون لكن لا تقحموا قضيتنا العادلة في مشاريعكم المشبوهة ولا تبرروا شغفكم الشهواني بالكيان الصهيوني بالدفع بعملية السلام ولا تذكروا اسم القدس على شفاهكم فالقدس لا تحتاج إلى لجان مشبوهة يقف على رأسها المطبعون والنائمون في فراش الصهاينة».
من المستفيد؟
ولا يستطيع المتابع لوقائع اللقاء والحميمية التي تميز بها، واللقاءات التي سبقته في شرم الشيخ وأبو ظبي والبحرين، إلا أن يستخلص أن المستفيد الأكبر من هذه الاجتماعات هو الكيان الصهيوني حصريا. إنه المركز المتحرك أبدا والمحرّك، هو الفاعل وغيره المفعول به، هو الرأس وغيره الأذناب. والصورة التي انتشرت بشكل واسع توضح هذه المعادلة، فتوسط وزيري الخارجية الإسرائيلي والأمريكي في الصورة تشير بلا لبس أن هناك مركزا وهناك أطرافا، والأطراف عادة تخدم المركز وتتكئ عليه.
تساق الحجج التي يسوغها ممثلو الكيان الصهيوني لتبرير هذه اللقاءات المحمومة بأنها اصطفاف للدول المتخوفة من إيران وأن هذه الدول لم تعد تثق في القيادة الأمريكية تحت حكم الديمقراطيين لأنها عائدة لا محالة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 والذي يخدم في المحصلة المصالح الإيرانية ويقوي من شوكتها. ولذلك فإن هذه الدول تبحث عن مصالحها وأمنها الوطني بعيدا عن المبادئ ولذلك ترى مصالحها الآن تقترب من المصالح الإسرائيلية القائمة على رفض إعادة تأهيل إيران وضد العودة إلى الاتفاق النووي وضد إلغاء منظومة العقوبات الشديدة على إيران وضد استرجاع إيران لدورها كعضو فاعل في المنظومة الدولية. ولا أعرف ما مصلحة مصر والمغرب في هذه الترتيبات؟ أليس تنامي الدور الإسرائيلي في المنطقة يكون بالضرورة على حساب مصر أولا وعلى حساب التضامن العربي ثانيا؟
فمصر التي كان يمكن أن تكون أحد محاور القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة مثلما كانت أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبإمكانها أن تشكل الضلع الثالث للقوى الإقليمية إضافة إلى إيران وتركيا، تحولت إلى قوة ذيلية وهامشية يحركها محمد بن زايد ويرسم جزءا أساسيا من سياساتها، تتنمر على جزء من ليبيا وتتلعثم عند الحديث عن إثيوبيا.
وما هي مصلحة المغرب في الاصطفاف ضد إيران، على فرض أن هدف هذه «اللمة» هو صياغة رسالة تحذير لإيران؟ هل تشكل إيران خطرا على المغرب؟ أم أن المغرب يبحث عن حلفاء لإعانته على فرض الأمر الواقع في مسألة النزاع على الصحراء الغربية؟ لقد قام المغرب بتوقيع صفقة التطبيع الشاملة مع الكيان مقابل مرسوم من الرئيس الأمريكي السابق بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في انتهاك فاضح للقانون الدولي. ذلك المرسوم الذي تجمّد في مكانه ولم يغير من الواقع شيئا. وإذا كان المغرب يريد أن يرسل رسالة قوية إلى الجار الجزائري عن طريق التحزم بإسرائيل فلن تقف إسرائيل إلا مع مصالحها. ومن مصالحها الأساسية تعميق الخلاف بين الجارين الشقيقين. وهذا ما حدث منذ اتفاقية التطبيع وتعميق العلاقات مع الكيان الصهيوني وهو ما أثار حفيظة الدولة الجزائرية فاتخذت خطوات تصعيدية على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي ضد المغرب.
إسرائيل والغدر بالحليف والشريك
إسرائيل لا تثق بأحد ولا تعمل إلا لمصلحتها هي، ولا تقيم علاقات عميقة مع أحد إلا إذا كان ذلك يخدم مصالحها.
وأود أن أذكر المندلقين تحت أقدام هذا الكيان الهجين على المنطقة بمجموعة حوادث وممارسات إسرائيلية مع حلفائها وشركائها في السلام والتي تثبت هذا الكلام:
– قامت إسرائيل يوم 6 حزيران/يونيو 1967 بمهاجمة سفينة التجسس الأمريكية «ليبرتي» لأنها كانت تسجل حيثيات الهجوم الإسرائيلي على مصر وسوريا، وقتلت 34 جنديا وجرحت 171 آخرين. وتم التعتيم على العملية واستيعاب نتائجها في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ليندن جونسون الذي أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل للبدء بالحرب.
– قبضت أجهزة الأمن الأمريكية يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1985على الجاسوس جوناثان بولارد، اليهودي الأمريكي، الذي كان يسرب المعلومات الدقيقة لإسرائيل واعترف بالتهم الموجهة إليه عام 1986 وحكم بالسجن المؤبد. قامت إسرائيل عام 1995 بمنحه الجنسية الإسرائيلية. وبقي في السجن ثلاثين عاما إلى أن أفرج عنه عام 2015. فحتى الحليف الاستراتيجي لا يسلم من عبث الكيان العنصري.
– قبضت السلطات المصرية بعد سنوات من السلام البارد مع الكيان على شبكات جواسيس عديدة وكان أخطر هؤلاء الجواسيس عزام عزام الذي قبض عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 1996 وحكم بالسجن مدى الحياة إلا أن الرئيس مبارك أعاده إلى إسرائيل بعد ثماني سنوات.
– إسرائيل ساهمت في بناء سد النهضة الإثيوبي والذي يشكل تهديدا وجوديا لمصر شريكة إسرائيل في السلام. وقد رصد العديد من الشركات الإسرائيلية التي تساهم في بناء السد فنيا وتكنولوجيا. إسرائيل تعرف أن من مصلحتها الاستراتيجية أن تضعف مصر وتهدد أمنها وتبعثر اهتماماتها الأساسية، بعيدا عن غزة وفلسطين.
– أما عن الأردن، شريك السلام الآخر، فقد قامت أجهزة الأمن الإسرائيلية يوم 25 أيلول/سبتمبر 1997 وبأوامر مباشرة من رئيس الوزراء نتنياهو، بمحاولة اغتيال خالد مشعل، أحد قادة حركة حماس، في عمان. ولولا تهديد الملك الراحل حسين بإلغاء معاهدة السلام لما انصاعت إسرائيل بإرسال دواء يبطل مفعول المادة البيولوجية التي أطلقت على مشعل من جهة ومن جهة أخرى إطلاق سراح أحمد ياسين الرئيس الروحي والمؤسس لحركة حماس.
– إسرائيل ساهمت بشكل كبير في تعميق أزمة المياه في الأردن وقذفت بالمياه العادمة والأوساخ في نهر الأردن وامتصت مياهه بشكل شبه كامل ولم يبق منها إلا أقل من 2 في المئة تاركة الشعب الأردني بدون مياه لتضطر الدولة الاعتماد على إسرائيل في تزويدها بالمياه المسروقة طبعا من الضفة الغربية مقابل تنازلات مؤلمة.
– قامت أجهزة الحراسة في السفارة الإسرائيلية في عمان يوم 23 تموز/يوليو 2017 بقتل مواطنين أردنيين بدم بارد. رئيس الوزراء نتنياهو قام بنقل القاتل فورا واستقباله كبطل وأعاده إلى أهله وصديقته.
هذا غيض من فيض الممارسات الإسرائيلية مع حلفائها وشركائها. فلتنتظر دول السلام الإبراهيمي حصتها من هذه الممارسات. وليحلموا ما شاؤوا من وقوف إسرائيل إلى جانبهم في أي نزاع منه إيران. صحيح أنها ستساهم في توريطهم في نزاعات إقليمية متعددة لكنها ستقف متفرجة والنيران تشتعل بين الجيران والأشقاء.
الغضب الفلسطيني
الغضب الشعبي الفلسطيني على قمة العار تلك جاء سريعا عن طريق أهالي بئر السبع وأم الفحم وجنين والخليل. فقد وردت برقيات للوزير لبيد وهو مجتمع مع ضيوفه العرب عن عملية كبيرة في بئر السبع التي أطاحت بأربعة مستوطنين. تبدلت الابتسامات العريضة والجو البهيج وتغيرت ملامح المضيف وانتفخت أوداجه غضبا وقهرا وهزيمة. لقد فرض الشاب البدوي محمد غالب أبو القيعان من بلدة حورة بالنقب أجندته على المجتمعين وبعثر أوراقهم ورمى بها في وجوه الوزراء العرب الذي حلوا ضيوفا على مرتكب أكبر جريمة تطهير عرقي في العضر الحديث، ديفيد بن غوريون.
النصر في الأخير للشعوب المناضلة أما الأنظمة السلطوية الظالمة والقاهرة لشعوبها فإلى مزابل التاريخ «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
- عن القدس العربي