logo
قمّة الدوحة وعملية معبر الكرامة… غضب شعبي وتواطؤ رسمي
الإثنين 22/09/2025
  • لميس أندوني

قد لا يكون هناك رابطٌ مباشرٌ بين توقيت هجوم السائق الأردني على جنود إسرائيليين عند معبر الكرامة الذي يربط الأردن بالضفة الغربية المحتلة ونتائج القمّة العربية الإسلامية في الدوحة. ولكن؛ لا يمكن إلا الربط بين المشهدين؛ تقاعس القمّة عن ردع إسرائيل، ولا نقول حتى مواجهتها، وانفجار أعصاب مواطن أردني غاضب لم يعد يحتمل ما يراه من قتل وتجويع للشعب الفلسطيني واستباحة الكيان الصهيوني الدول العربية وشعوبها جميعاً.
لست في معرض تبرير قتل السائق الأردني عبد المطلب القيسي جنديين إسرائيليين أو إدانته، فالهجوم الفردي لن يساهم في وقف حرب الإبادة، لكن يأس الرجل مفهوم، وما يجب إدانته هو التواطؤ العربي الرسمي، وليس المواطن الذي ضحّى بحياته للتعبير عن رفضه استمرار الجريمة، فيما ينشغل النظام الرسمي العربي بتدبير أموره مع واشنطن، إلى حد الفشل في اتخاذ أي خطوة لوقف إبادة شعب أمام الأعين، وحتى الوقوف مع سورية ولبنان واليمن وأخيراً قطر، فالأولوية كانت واضحة في بيان قمّة الدوحة: عدم المساس بالعلاقات مع إسرائيل أو مسّ “الاتفاقيات الإبراهيمية المقدّسة”.

لا يجوز المرور ببساطة على ما تردّد أن البيان الختامي لمؤتمر الدوحة قد تغير في آخر لحظة لشطب إشارة إلى وقف تجميد العلاقات الاقنصادية بين بعض الدول العربية وإسرائيل، فبالنسبة لواشنطن مثل تلك الجملة مسّت “المقدس”، إذ سعت جاهدة ألا يؤثر طوفان الأقصى وحرب الإبادة على مسار التطبيع ولم تكن لتسكت عن ذلك. ومع أن النص الذي شطب في البيان لم يشتمل على آلية تنفيذ، إلا أن الكلمات مهمّة في الاستراتيجية الأميركية، التي تريد وضع قاموس جديد للمنطقة لا يشمل مفاهيم التحرّر أو مواجهة الاحتلال والمشروع الكولنيالي الصهيوني.
وجدت أن من الضروري التركيز على لغة بيان القمّة، في تجربتي الصحافية الطويلة التي غطيت بها مؤتمرات، تعودنا نحن الصحافيين العاملين مع صحف غربية على تدخّل أميركي في بعض قراراتها، من خلال تسريبات أميركية للصحافيين، وبخاصة العاملين في الصحف الغربية، عما تريد واشنطن فرضه من قرارات. ولكن التدخل المباشر يأتي عن طريق الضغط على دول عربية معينة التي ترفض النصوص غير المقبولة أميركياً. ليست المسألة ضرباً من نظريات المؤامرة، لكنها جزء من إدارة واشنطن لحماية مصالحها ومصالح إسرائيل ومراهنتها على دول عربية لمنع الإجماع على القرارات العربية وفرض ما تريده منها. ففشل القمة باتخاذ أي قرارات حاسمة زاد الشعور بالعجز عند المواطن العربي، الذي لم يكن لديه توقّعات أصلاً، لكن مظاهر الخنوع العربي الرسمي تُعمِّق من الغضب الدفين والوجع غير محتمل، وفي حالة الأردن لم تنجح كلمات وزير الخارجية أيمن الصفدي القوية في طمأنة الأردنيين، فما تبعها من بيان في الدوحة أكّد مرّة أخرى أن لا علاقة للخطابات بالواقع. وينسحب هذا الواقع على معظم الدول العربية، وبخاصة المجاورة لإسرائيل، لكن كان هناك بصيص من أمل ضئيل بأن عدوان إسرائيل على قطر سينبّه باقي الدول إلى أنها، في نظر تل أبيب، كانت وستبقى خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني، وبالتالي سينعكس هذا الوعي في كلمات البيان حتى لو افتقر إلى خطة عمل، فالأخيرة أمنية غير قابلة للتحقق.
في المحصلة، زادت رعونة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لم يكن متوجّساً من قرارات القمّة، لكن واشنطن، ولا أقول هنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل المؤسسة الأميركية المعنية بالحفاظ على تحقيق رؤيتها الاستراتيجية، التي قرّرت منذ نجاح إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات ودول عربية أخرى عام 2020، أن الحفاظ عليها وتوسيعها هي ركيزة السياسة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية ودمج إسرائيل في المنطقة وتحقيق هيمنتها عليها.
اعتُبرت الاتفاقيات إنجازاً استراتيجيّاً غير مسبوق، أولاً لأنها مع دول نفطية بعيدة عن حدود إسرائيل، في أمل أن تصبح الدول الخليجية الموقّعة مموِّلة التطبيع ورائدة في تبنّي الرواية الإسرائيلية، ثانياً، لأنها شكّلت نموذجاً تجاوز كل المعاهدات الإسرائيلية العربية السابقة يجب تعميمه، وضم حتى دولاً مثل الأردن ومصر التي ترتبط باتفاقيات مع إسرائيل إليه، أي تحقيق تطبيع الوعي العربي، والقبول بإسرائيل بمضمونها الاستعماري بوصفها دولة طبيعية في المنطقة.

عليه؛ كان ضرورياً ألا تتم الإشارة في البيان الختامي بشكل سلبي إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وجرى الدَّوس على كل شيء: شلال الدم في غزّة.. ضم الأراضي، الزحف في الضفة الغربية، تهويد القدس.. سيادة الأردن ولبنان وسورية واليمن وقطر وكل الدول العربية، التي ما زالت تأمل بحماية أميركية.
ليست عملية عبد المطلب القيسي بالضرورة ردّاً مباشراً على بيان القمّة، وإنما هي ردٌّ على ما يراه سائق يقود شاحنات مساعدات أردنية إلى غزّة من ذل وإذلال وكونه أصبح شاهداً على عذاب الفلسطينيين في غزّة، فكل خطابات وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، وتصريحاته، ولا أعنيه هنا شخصاً، وإنما بصفته ممثلاً رسمياً للسياسة، لا تغيّر شيئاً على أرض الواقع. … وهنا لا يصحّ لوم الأردن وحده على ما يحدث، فلا يوجد موقف عربي أو إسلامي حقيقي، لكن الأردن ساحة اختبار لتداعيات هذا الفشل، ولجوء الحكومة إلى منع مسيرات التضامن مع غزّة وملاحقة الحراكيين والناشطين، يتناقض مع الخطابات الرسمية في المحافل الدولية، فيما يعاقَب من ينخرط في حراكات حمايةً للأردن وفلسطين.
وجاءت قمّة الدوحة، العاصمة التي تعرّضت إلى اعتداء إسرائيلي بنتيجة أن التطبيع مع إسرائيل والاتفاقيات الإبراهيمية هي المقدّس الوحيد. عليه، يجب ألا نستغرب من عمليات غضب مثل التي لجأ إليها السائق القيسي، لأنه غضب ينمو في داخلنا. فمن دون البدء بمعاقبة إسرائيل بدءاً من وقف التطبيع ووقف التعامل معها، وقد سبقتنا دول أوروبية وأفريقية وأميركية لاتينية إلى ذلك، لا يمكن أن يكون لأي خطوة عربية فاعلية، لأن المطلوب قيادة حملة دولية لمعاقبة إسرائيل تقودها الدول العربية نفسها، فهي الجديرة بالإدانة، بدل تجريم من يفكّر بمقاومة إسرائيل.

 

  • عن العربي الجديد

 

مشاركة