logo
مات شاعر فلسطين … الرحمة لروح “مريد البرغوثي”
الإثنين 15/02/2021

  • كمال ميرزا

اليوم فقدتْ فلسطين شاعرها!! كنتُ أقول، وما زلتُ، وسأبقى أقولها ما حييتُ: مريد البرغوثي هو شاعر فلسطين الحقيقي، لو أنصف الدهرُ.. وليس أيّ اسم آخر!! وحده مريد، كلما امتدّ به العمر، وازداد شهرةً وانتشارا، ازداد حنينا وقُربا إلى “دير غسانة”، وإلى التينة في فناء بيت عمّه.. بخلاف غيره الذين كلما غمرتهم الأضواء أكثر، و”شمّوا ريحة باطهم” حُظوةً ونقودا ومجدا مُصّنعا، ازدادوا بُعدا عن فلسطين والقضية، وأصبحوا يعتبرون أنفسهم صِنوا لفلسطين، أو حتى يستعلون عليها!! أشعار مريد أسفار تبزُّ التوراة المحرّفة والتلمود الدمويّ مجتمعَين، وقصيدته “رنّة الأبرة”، لو أنصف الدهرُ، لكانت أيقونة تُعلّق في صدر كلّ بيت فلسطينيّ إلى جوار مفتاح العودة، وحنظلة، وصورة شهيد الدار!!

الغالبية للأسف، تعاملوا معه باعتباره زوج “رضوى”، ووالد “تميم”.. أمّا أنا، فمنذ أن اكتشفتُ مجلد أعماله الشعرية صدفة على رفوف المكتبة في جامعة اليرموك قبل أكثر من عشرين سنة، و”رضوى” بالنسبة لي هي التي زوجته، و”تميم” هو الذي ابنه!! وإذا كان هناك مِن مأخذ على “مريد”، فهو تساهل الأب فيما لا يتساهله مع نفسه في سبيل أن يرى وحيده وقرّة عينه و”ريحة” محبوبته أفضل منه.. وأفضل من أي شخص آخر في الدنيا!! مأخذ يصبُّ في صالح إنسانية وآدمية شاعر إنسان!! وحتى، هل تصلح “الخطايا الحميمة والغلط الآدميّ البسيط” أن تكون أساسا مأخذا بحق الشاعر الذي أرّخ للخطايا الحميمة والغلط الآدميّ البسيط؟!

حين رثى “مريد برغوثي” صديقه، وهو حرٌّ في صداقاته، محمود درويش.. قال: وكأنّه إذ مات أخلف ما وعدْ.. وكأنّنا لمناهُ بعض الشيء يوم رحيله، وكأنّنا كنّا اتفقنا أن يعيش إلى الأبدْ.. “محمود ابن الكلِّ” قالت أمّه وتراجعت عن عشبه خفراً لتندفع البلدْ.. يا ويحها “حوريّةٌ” هل أدركت أنّ البلاد لتوّها قد ودّعت من كلِّ عائلة ولدْ؟!! فوالله إنّ “مريد” أجدر بهذا الكلام، مرّة أخرى، لو أنصف الدهرُ.. ولكأنّه كان يرثي نفسه من حيث لا يدري، هذا الذي لا أظنّه سيجد مَن يرثيه بما يستحقه ويليق به!!

في عيد الحبّ مات شاعر الحبّ ليلتحق بمحبوبته عند “حبيب المُحبّين.. خالق الحاكمين.. وخالق الناس.. وخالق الوحش والسوسنة”!! اقرأ شعره في “رضوى”، لترى أنّنا أمام قيس وليلى “عَصريَين”، مرّة أخرى وأخرى، لو أنصف الدهرُ.. ومشكلة دهرنا أنّه لا ينصف كلَّ “فلسطينيّ في الشمس”!! مات شاعر “الشهوات”، وما عاد بحاجة إلى أن يشبّ على سلّم شاهق في أقاصي السماء ليستأذن الله.. هو اليوم مخوّل أن يسأل، وأن يعتب، وأن يبالغ في العتب!!

مات الشاعر الذي أحضر التاريخ من قرنيه إلى غرف المعيشة ليكتب ما يرى، فهل سينصِفُهُ التاريخ، وهل ستنصفه غرف المعيشة، وهل سينصفه كلّ من سيصفن صفنة ويقولها: إنّ الفلسطينيّ، إنّ مريد، مخلوق جميلُ؟! “خلّفتُ خلفي نصف ما في العمر من عمر.. ونصف النفيِّ، نصف الليل حين تلعثم الناعي وأجرح ما يكون النعي لعثمةً وأفصحُ كلما انكسر الكلام”!! مرّة أخرى، ولكأن “مريد” يرثي نفسه!! ظنّي أن الملائكة سيستقبلونه بدبكة، هو فيها “اللوّيح”، بينما يزفونه إلى رضوى!! مات شاعر فلسطين، لكنّ فلسطين باقية لا تموت!!

 

 

 

مشاركة