logo
مبادرات في مهب الدائرة
السبت 3/12/2022

  • هديل الزعبي

تأسست دائرة “شؤون العائدين” الفلسطينية في العام 1987 بناء عن قرار صادر عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ثم تغيّر الأسم الى “دائرة شؤون اللاجئين” في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1996. تعمل تحت مظلة الدائرة لجان شعبية تم اعتمادها رسميا من قبل الدائرة وهي لجان تسعى لتنفيذ القرار الدولي 194 وتقديم الخدمات اللازمة لتحسين أوضاع اللاجئين داخل الوطن وخارجه لحين عودتهم. ومن سياسة اللجان الإقرار بأن منظمة التحرير هي المممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

اذا اطلعنا على النظام الداخلي الخاص باللجان الشعبية المعدل في عام 2010 سنجد الكثير من المهام الموكلة لهذه اللجان في نظامها الداخلي ومنها متابعة عمل الاونروا يوميا ومراقبتها ومتابعة العمل مع المؤسسات او الافراد او الناشطين المانحين وحث العمل الشبابي. ولم ينس النظام الداخلي المرأة، حيث يفترض وجود امرأة على الاقل في كل لجنة، ولا يجب ان تقل الهيئة العمومية لكل لجنة في كل مخيم عن 1 في المائة من سكان المخيم او التجمع وهذا طبعا غير موجود.

لا يسعنا في حال قراءة النظام الداخلي الا ان نرى فجوة بين ما هو رسمي وصادر عن الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وبين الواقع الحقيقي المعاش، فالأحزاب التقليدية في المخيمات متمسكة بمظاهر تنفيذ القرار الدولي بوجوب حق العودة لكنها تتجاهل ان كل ما تفعله هو رفع شعارات وتبادل الزيارات أو المشاركة في وقفات دعت اليها منظمة التحرير وكل من هو خارج اطارها غير مشمول بمسؤوليتها وخارج عن الشرعية او حتى غير معترف بمطالبه،  وكل من هو ضد رأي الرئيس متآمر على المنظمة.

يمكن ان نرى بعض واقع المخيمات اذا بحثنا في اوضاع اللجان المهترئة التي تقاسمت مع شريكتها الأونروا الفساد، متابعتها للأونروا لم تكن سوى فساد يتشارك ويغطيه فساد آخر، يظهر ذلك في مشاريع البناء والترميم في مخيم عين الحلوة، حيث حدثت أكثر من فضيحة لموظفي الأونروا عبر إعطاء الأولوية لمصالح الفصائل وممثليهم، وتعدت اللجان على نظامها الداخلي عندما شكلت بممثلين عن الفصائل وحدها، ففي ذلك مخالفة لما ينص عليه النظام من مشاركة أصحاب الكفاءات والتكنوقراط والفئات الشبابية والمرأة..

وفي جميع الاحوال تبقى هناك مبادرات مستقلة او ثورية من افراد في فصائل، لا يجب التقليل من عملهم، وان كان من الضروري تسليط الضوء على كيفية تشويه المبادرات المستقلة.

لا علاقة لتشكيل دائرة تتحمل مسؤولية لجان شرعية في المخيمات ـ بمصالح فصائلية وتقاطعات سياسية ـ  بطاقتها وامكانيتها، لذلك قد نجد في تقاطع المصالح محاربة الشباب واحباط مشاريع التغيير عبر اقصاء كل مبادرة وتخوينها او اتهامها بالارتباط مع جهة سياسية، تتلاقى مصالحها معها في مشاريع أو مواقف سياسية أخرى، ولكي تكون المبادرة شرعية عليها ان تأخذ الثقة من اللجان أولا، والثقة معتمدة على الإقرار بالممثل الشرعي وبالتالي بسياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

لا تهدف المبادرات للمساس بشرعية المنظمة انما للرد على اقصاء العمل الشبابي ذو الرأي المستقل أو المغاير، ولا يأتي هذا العمل الا من نسيج الواقع الفلسطيني المنقسم أصلا، وبالتالي تتشكل هذه المبادرات عادة من شباب مستقلين او فصائليين، لكن سرعان ما تتغير بوصلة العمل من الموقف المواجه للمسؤولين الى موقف البديل عنهم،  فقد صار تقليص طموح الشباب واحتوائه من قبل المؤسسات ضرورة للاستمرار بسلام.

وبذلك تتحول المبادرة الى شبه جمعية، مع استقطابها أحيانا من قبل مؤسسات صديقة لجهة سياسية، يسهل عليها توجيه الشباب بمرونة الموقف السياسي والتقاطع في العمل الخدماتي، وفتح باب المنافسة الفصائلية في احتواء الشباب، وفي ذلك ما يفقد المبادرة استقلاليتها ويجعلها تابعة.

الحفاظ على الاستقلالية ضرورة في ظل اغراق الشارع الفلسطيني بالعمل المؤسساتي المتقاطع في الكثير من الأحيان، على ارضية محاصصة المشاريع فصائليا، بما يخدم مصالح كل فصيل او كل ممثل عنه.

تعد اللجنة البوابة الشرعية للعمل الخدماتي في المخيمات مما يجعلها الشريك المتعاون الأول مع المانحين بما يتناسب مع سياستها وبما يخدم مصالحها. نشأت في المخيمات الفلسطينية منذ أكثر من 10 سنوات ما يعرف بالمبادرات الشبابية وكانت لعدد منها بدايات مستقلة. وبرزت أعمالها ونشاطاتها في مختلف المخيمات من عين الحلوة الى البارد وغيرها. الا ان هذه المبادرات حوربت من قبل الفصائل التي عملت على تفتيها او خرقها بكافة الطرق. كما ان عددا من هذه المبادرات اتجه نحو العمل المؤسساتي البحت كبديل عن عمل اللجان نفسها، كون المجتمع المدني الفلسطيني فصائلي مؤسساتي.

انطلقت معظم هذه المبادرات من مطالب يومية في كل مخيم الى ان تحول عملها الى العمل بدل البديل عبر الحصول على منح من العمل الاغاثي وهذا أيضا يكرس واقعا   سئم اللاجئ منه.

في العادة توائم اللجان الشعبية المبادرات التي لا تتضارب مبادئها مع مصالح اللجنة ولا سيما ضمن علاقتها القائمة مع المانحين، ولا تمنح الشرعية للمبادرة الا بعد الاعتراف والاقرار بان بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير، فالعقل المؤامراتي لدى القيادات او الممثلين عنهم أو حتى أصغر ممثل في أصغر حي لا يخلو من توجيه اتهامات لأي حركة صاعدة.

تتطلق المبادرات من حدث سياسي كما حصل في مخيم عين الحلوة، تحميل المسؤولية للجهات المعنية للفصائل والاونروا في آن معا، الا انها سرعان ما تنطوي تحت غطاءات تظهر في الوقت المناسب، لتدير اللعبة السياسية لصالحها، تتمثل هذه الإطر بالمؤسسات الدولية العاملة في المخيم، لا تحدد الانتماء السياسي بل تعمل على مرونة العقل المتقبل لاي هبة او منحة من أي طرف كان، فقط من أجل خدمة المصلحة العامة، لذلك يصبح العاملون والناشطون مديرون لعمل خدماتي منفصل عن كونه سياسيا، مما يحول المبادرات الى نسخ عن الفصائل، تتحرك بارتباطات القائمين عليها.

دائرة شؤون اللاجئين من الدوائر المهمة في المنظمة الا انها شبه مغيبة الا في مشاريعها مع المؤسسات، بالشكل الذي يدمغها بفساد لا يطال الجميع، يرضى الاتجاهات العامة وان كانت متناحرة سياسيا كما يحصل مع لجنة وطنية ولجنة إسلامية في التوافق على حصص مشروع خدماتي بالتواطؤ مع موظفي الأونروا.

اعتبار العمل الشبابي عمل غير سياسي والتصدي له وتحريم العمل السياسي على المبادرات عبارة عن اقصاء لها، بل ومحاربتها ان تبنت فكر سياسي لا يتفق مع اطر منظمة التحرير والسياسة القائمة عليها دوائر المنظمة التي تخشى من فقدان شرعيتها وتولي الولاء للرئيس محمود عباس.

 هذا الواقع قد لا يتفق مع الشارع الفلسطيني أحيانا كثيرة بل ويرفض الشباب في الوطن او الشتات مظاهر المقاومة السلمية الناتجة عن اتفاق اوسلوا. مخيمات الشتات ليست بعيدة عن هذا الواقع السياسي بل في صميمه، وبالتالي من حق الشباب ان القيام بمبادرات والعمل في الحقل السياسي دون ان تفرض عليه هذه الولاءات، فمن أهم خصائص الحركات التي تنشا من اجل التغيير ان تكون مستقلة في مضمونها ولا تتساوى في عملها مع عمل المؤسسات ولا عمل الفصائل.

يظهر الطرف الثالث في العادة في صميم الحدث السياسي، يعيد توجيه البوصلة نحو العدو او نحو تحميل الفصائل مسؤوليتها بكل الطرق وليس الوقوف في صفها بالكثير او دعم مواقفها المتخاذلة بدءا من موقف اللجان في احياء المخيمات الى مواقف الفصائل مع الدولة اللبنانية.

تحولت الفصائل الى مؤسسات أو شركات يظهر تخاذلها في تعامل الدولة اللبنانية مع قيادتها بدونية ولذلك نشأت مبادرات تقارع اللجان الفصائلية والفصائل نفسها في العمل الشبابي، الا انها سرعان ما تتحول الى تابع يتم احتواءه من طرف سياسي معاد لطرف آخر وهو التنافس على الأحتواء.

 

مشاركة