هل رد الفعل الشعبي على استشهاد التميمي استفتاء على المقاومة؟
السبت 29/10/2022- أنيس فوزي قاسم
في مطلع شهر أكتوبر الحالي قام الشهيد عدي التميمي بعملية في غاية الجسارة، إذ اقتحم موقعاً للجنود الإسرائيليين على مدخل مخيم شعفاط، وبكل رباطة جأش أصاب ثلاثة جنود مستخدماً مسدساً، بينما ألقى الجنود الآخرون أنفسهم على الأرض رعباً، وانسحب التميمي إلى داخل مخيم شعفاط، بهدوء.
وعلى العادة، خضع المخيم بأكمله لحصار قوات الاحتلال، التي راحت تطالب بتسليم التميمي.. وباعتبار أنه كان حليق الرأس، قام شباب المخيم بحلق رؤوسهم تضامناً، ويوم الأربعاء الماضي (19/10/2022) قام عدي التميمي باستكمال عمليته مستخدماً مسدسه، وهاجم بوابة مستوطنة معاليه أدوميم، حيث تصدت له قوات الاحتلال وقتلته. وإثر ذلك، أضربت الضفة الغربية بكل مدنها وقراها ومخيماتها، وقام طلاب المدارس في غزة بتأدية التحية العسكرية لصورة عدي التي علقت في ساحات المدارس.
لا شك بأن اغتيال عدي التميمي يثير عدداً من الأسئلة عن سلوك جيش الاحتلال الذي يفتقد إلى أدنى مستويات «طهارة السلاح»، التي يتفاخر بها جنرالات الاحتلال الإسرائيلي، بل يفتح الباب واسعاً على سجل قائد الجيش كوخافي نفسه، الذي قبل وصوله إلى مركزه الحالي، كان يصرّ على القوات العاملة تحت إمرته، بأنه يريد منهم عدداً محدداً من القتلى الفلسطينيين كل يوم، وكأنه يروي شهية قاتل مدمن ـ ولهذا موضوع آخر وعودة أخرى. أما ما يهمنا في سياق حادث اغتيال التميمي، ردود الفعل الشعبي الفلسطيني ـ دون الرسمي.
لقد برزت مؤخراً ظاهرة، أن تبادر الجماهير الفلسطينية في المنطقة التي وقع فيها استشهاد أيْ من شباب المقاومة، إلى وقفات تضامنية واسعة من قبل قطاعات وازنة، كما حصل يوم مجزرة مخيم جنين، ويوم استشهاد إبراهيم النابلسي ورفاقه في قصبة نابلس. ونقلت وكالات الأنباء أن مواجهات اندلعت على مداخل مدينتي رام الله والبيرة تنديداً بمقتل الشباب الثلاثة، ويوم تشييع جثامين هؤلاء الشهداء عمّ الإضراب في بعض مدن الضفة الغربية بما فيها القدس. وفي حالة استشهاد عدي التميمي كانت ردة الفعل أعمق وأوسع، حيث أضربت الأراضي المحتلة إضراباً عاماً وشاملاً، شل الحركة التجارية والمدارس والدوائر الأخرى. اللافت للنظر في كل هذه الوقفات التضامنية والإضرابات، أنها جرت طوعاً واختياراً، أي أن السلطة الفلسطينية لم تدع الناس إلى الإضراب، ولم تشجعهم على التصرف تضامناً مع الشهداء، أو تعاطفاً مع أهاليهم، بل العكس. كانت عمليات هؤلاء الشهداء إحراجاً لها باعتبار أنها «تقدس التنسيق الأمني» مع الاحتلال وبسبب التعاون بين أجهزة أمن السلطة وقوات الاحتلال، تمكنت الأخيرة في النهاية من اقتناص إبراهيم النابلسي وبعض رفاقه. كما أنه جدير بالذكر أن هؤلاء الشهداء لا يتبعون تنظيمات فصائلية أو حزبية، ومن يقراً وصية الشهيد عدي التميمي المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك أنه كان يتصرف بمفرده وأنه أراد أن يصنع من نفسه نموذجاً لمئات الشباب الفلسطيني ليحذوا حذوه. إنهم يمثلون أنفسهم، أو يمثلون مجموعات صغيره من الشباب الذي ضاق ذرعاً بتسليم قيادة السلطة أعنّتها إلى قيادة جيش الاحتلال، الذي أصبح يتعامل معها باعتباره وليّ نعمتها وربّ عملها. أي أن ردة فعل الشارع الفلسطيني على اغتيال هؤلاء الشباب كانت طوعية، وفورية، وليست بتحريض من تنظيم أو فصيل أو «عناصر مدسوسة» على المسار السلمي. قد لا أبالغ في القول في اعتبار هذا التصرف الشعبي، وردة فعل الناس التي بدت عليها ملامح العفوية والشمولية أنها نوع من الاستفتاء العام على ما يقوم به هؤلاء الشهداء. عملياً، ما يقوله المضربون والمتضامنون، إننا ندعم ونشجع ونحترم ما قمتم به أيها الشباب، وتعبيراً عن ذلك فإننا نصوت لكم من دون ورقة اقتراع نلقي بها في صناديق الاقتراع، بل نقف مع برنامجكم الانتخابي الذي هو ـ باختصار ـ «إعلان المقاومة» ورفض أي شيء آخر- بما فيها المفاوضات، كأي شكل آخر عن المقاومة والتصدي. لقد تورمت ألسنة قادة الفصائل وهم يتحدثون في اللقاءات العديدة، ما بين القاهرة والدوحة ومكة والجزائر، عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، واستكمال عضوية المجلس الوطني، وتقاسم المناصب الوهمية في حكومة هي أوهى من بيت العنكبوت. وعقدت هذه الفصائل حتى الآن أحد عشر اجتماعاً ما بين مارس 2005 وأكتوبر 2022 وجميعها نصت على إجراء الانتخابات، إما بالتزامن أو بالتتابع، وكأن المجتمعين من الفصائل «يقررون» في غياب قرار الحاكم العسكري الإسرائيلي، ويعلنون عن «رغبتهم» في إجراء قوائم وكأن تجربة عام 2006 ليست ماثلة في أذهانهم، وأن «رغبتهم» قابلة للتنفيذ خلف ظهر ضابط الاحتلال، ويتحدثون في تلك الاجتماعات عن حكومة «وحدة وطنية»، وكأنها «حكومة» تملك سلطة التنفيذ في غياب إرادة وزير الدفاع الإسرائيلي، باعتباره الحاكم العسكري المطلق للضفة. إن الفصائل الفلسطينية ملأت الجو أوهاماً وضجيجاً ولم تتقدم خطوة واحدة، ما يقطع أنها كانت تجتمع وتتناقش بسوء نيّة. لقد جاءت الإضرابات الشعبية العفوية والشاملة استفتاءً حرّاً بعيداً عن لغو الفصائل الذي أصاب هواء شعبنا بالتلوث.
الإضرابات هي عملية انتخابات، بعيدة عن التزوير ولا تحتاج إلى يافطات وكتابات بخطوط حمر ترفع في الساحات وفي مكاتب السيارات العمومية.. الإضرابات هي الصدى الشعبي للبرنامج الانتخابي لعناصر المقاومة بأن الجمهور فقد الثقة بالسلطة القائمة وفصائلها، وبأساليبها البالية في التعامل مع الاحتلال، بما في ذلك المفاوضات التي سقطت سقوطاً أشدّ قباحة من سقوط رئيسة وزراء بريطانيا، ليز تراس، ورغبتها في إعلان القدس عاصمة للاحتلال، ونجح برنامج المقاومة. وفروا برامجكم الانتخابية ايها السادة في الفصائل، فقد طرحت المقاومة برنامجها. إنه برنامج انتخابي طرحه شباب المقاومة في مختلف أماكن وجودهم على نحو موجز وملخص في نقطتين: تسقط المفاوضات والمجد للمقاومة. ليت محمود عباس يلقى ما لاقاه مصرع عدي التميمي من شعبية واحتضان.
- عن القدس العربي