logo
الأمم المتحدة وحرب الإبادة على غزة: ترحيب بالهدنة وسكوت عن المجازر
الأحد 26/11/2023
  • عبد الحميد صيام

التطوران الأهم في الأيام الأخيرة هما إعلان الاتفاق على هدنة بين الكيان الصهيوني وحركة المقاومة لتبادل بعض الأسرى، وارتكاب جيش الحرب الصهيوني مجموعة متلاحقة من المجازر في المدارس والمستشفيات. وبما أن المسؤولين الأمميين أصبحوا يتكيفون مع استمرار المجازر ووحشيتها لم نعد نسمع بيانات تدين المجازر وإن صدرت تكون ناعمة تتكلم عن الحدث من دون ذكر الفاعل.

وأود في البداية أن أشير إلى اجتماعين عقدا لبحث المجازر في غزة، الجمعية العامة عقدت اجتماعا استمر يومي الإثنين والثلاثاء للاستماع إلى تقارير من المنظمات الإنسانية حول الأوضاع في غزة، واجتماع لمجلس الأمن يوم الأربعاء للاستماع إلى تقارير من رئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، والتي صمتت طويلا قبل أن تدلي ببيان عن وضع النساء في غزة لكنها لم تدخل قطاع غزة كما فعل لازاريني المفوض العام لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» والمديرة التنفيذية لليونسيف، كاثرين راسل، والتي زارت شمال غزة وجلست مع النساء والأطفال والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ناتاليا كانيم.

الترحيب بالهدنة وتغافل عن المجازر

هللت أجهزة الأمم المتحدة بالهدنة المؤقتة وكأنها إنجاز عظيم. فالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رحب بإعلان الهدنة وراح يكيل المديح للولايات المتحدة وقطر ومصر. وتبعه ممثله في الأرض الفلسطينية المحتلة تور وينيسلاند. ولننظر في بيانه كيف كان مختلا ومنحازا للكيان الصهيوني: قال وينيسلاند في بيانه يوم الأربعاء: «إنني أرحب بالإعلان عن اتفاق لتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين اختطفتهم حماس وآخرون خلال الهجمات المروعة التي وقعت في 7 أكتوبر».
هنا الترحيب بإطلاق الرهائن الذين اختطفتهم حماس ولم ينس أن يذكر بالتاريخ ووصف ما جرى في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لم يأت على ذكر المعتقلين الفلسطينيين من نساء وأطفال. الترحيب مقصور على جانب واحد دون الآخر. فهل هذا دور محايد لمسؤولي الأمم المتحدة؟ وتابع وينيسلاند بالترحيب بالإعلان عن هدنة إنسانية لمدة أربعة أيام في غزة. ودعا إلى استغلال هذا التوقف إلى أقصى حد لتسهيل إطلاق سراح الرهائن وتخفيف الاحتياجات الماسة للفلسطينيين في غزة.
وهذا الموقف هو القاسم المشترك بين كافة المسؤولين الكبار التابعين للأمين العام ومكتبه.
روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية، زارت المنطقة بين 19 و22 تشرين الأول/نوفمبر. التقت بعدد من المسؤولين الإسرائيليين وعائلات الأسرى الإسرائيليين فقط، كما فعل الأمين العام ووينيسلاند ومارتن غريفيثس، ثم التقت برئيس وزراء السلطة، محمد اشتية، ثم توجهت إلى عمان. وهذا بيان رسمي حول زيارتها: «أعربت وكيلة الأمين العام ديكارلو، طوال زيارتها، عن قلقها العميق إزاء استمرار الخسائر في الأرواح في غزة في أعقاب الهجمات المروعة التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وكررت أولويات الأمين العام الثلاث: 1) تحقيق وقف إطلاق النار الإنساني وتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع؛ 2) الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن؛ و 3) منع تصعيد أو توسيع الصراع.
أهم شيء بالنسبة لها الرهائن وليس الوضع الإنساني الخطير لأكثر من مليوني فلسطيني. كل المسؤولين يسعون لإعطاء ما جرى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الوصف الذي يرضي الكيان الصهيوني. ثم إبداء نوع من القلق على الضحايا المدنيين، الذين لا نعرف من قتلهم. فما الفرق في هذا البيان بين ضحايا الزلازل وضحايا حرب الإبادة؟ كلاهما يستحق التعبير عن الحزن والألم.

الفاعل مجهول دائما

ولنأخذ مثالا آخر بيان الأمين العام أنطونيو غوتيريش نفسه يوم 19 تشرين الثاني/نوفمبر بعد المجازر المروعة في مدرستين تابعتين للأمم المتحدة: الفاخورة وتل الزعتر. هذا ما قاله الأمين العام: «إنني أشعر بصدمة عميقة إزاء قصف مدرستين تابعتين للأونروا في أقل من 24 ساعة في غزة. وقُتل وجُرح العشرات من الأشخاص – العديد من النساء والأطفال – بينما كانوا يبحثون عن الأمان في مباني الأمم المتحدة. يبحث مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين عن مأوى في مرافق الأمم المتحدة في جميع أنحاء غزة بسبب اشتداد القتال. وأؤكد من جديد أن حرمتنا مصونة وتتسبب هذه الحرب في سقوط عدد مذهل وغير مقبول من الضحايا المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، كل يوم. هذا يجب أن يتوقف. وأكرر دعوتي إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية».
في مدرسة الفاخورة لوحدها استشهد 200 مدني فقط ونلاحظ أنه خفف العدد إلى عشرات. نلاحظ كذلك أن هذا البيان يخلو تماما من أي إدانة أو ذكر للفاعل. هو فقط يعبر عن حزنه وصدمته. فهو يعفي نفسه من ذكر القاتل ويعفي نفسه من الإدانة ويركز على وصف مشاعره. فالفرق كبير بين: «أعبر عن حزني وصدمتي» وبين «أدين بأقسى العبارات قيام الجيش الإسرائيلي باستهداف المدنيين» كما فعل مرارا وتكررا ضد الفلسطينيين.
أما تور وينيسلاند فلم يصدر أي بيان لا في استهداف المدارس ولا المستشفيات ولا المدنيين. كل ما أصدره بيان واحد في استشهاد بلال جاد الله، وهو صحافي وصديق «كرس حياته لحرية الصحافة وحماية الصحافيين». ومثل مديره غوتيريش، عبر عن صدمته وحزنه لمقتل جاد الله وبعث بتعازيه «لأهله وشعبه والصحافيين». الفاعل مجهول، والإدانة غائبة كالعادة.

المنظمات الإنسانية والمتخصصة

دور المنظمات الإنسانية والمتخصصة محصور في مهمتين أساسيتين: تقديم صورة دقيقة عن الأوضاع قيد الاختصاص مثل وضع المرأة أو الأطفال أو حقوق الإنسان أو اللاجئين أو الوضع الصحي، ومن جهة ثانية القيام بتنفيذ ولاية الوكالة في الميدان وتقديم المساعدات المطلوبة في ميدان الاختصاص. مثلا برنامج الأغذية العالمي مهتمه شرح احتياجاته في الميدان سواء في غزة أو السودان أو أوكرانيا وتوجيه نداء لتوفير الأموال اللازمة ثم العمل على إيصال المواد التي تحمي من الجوع، وهكذا بالنسبة لبقية الوكالات والتي تنسق مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق العمليات الإنسانية وإغاثة الطوارئ.
هذا ما قامت به معظم المنظمات الإنسانية المتخصصة في الغذاء والدواء ووضعية الأطفال والنساء واللاجئين. ولا بد أن نثني على الدور الذي قامت به الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي واليونسيف ومنظمة الصحة العالمية. وهذه اقتباسات قصيرة من عينة من المنظمات الإنسانية:

سيما بحوث: هيئة الأمم المتحدة للمرأة أمام مجلس الأمن

إن 180 امرأة يلدن أطفالهن كل يوم دون ماء، ومسكنات، وتخدير للعمليات القيصرية، وكهرباء للحضانات، وإمدادات طبية. ومع ذلك فإنهن يواصلن رعاية أطفالهن والمرضى والمسنين، ويخلطن حليب الأطفال بالمياه الملوثة، ويعشن بدون طعام حتى يتمكن أطفالهن من العيش يوما آخر، ويتحملن مخاطر متعددة في الملاجئ المكتظة للغاية». وأضافت «لقد أخبرتنا النساء في غزة أنهن يصلين من أجل السلام، ولكن إذا لم يتحقق السلام، فإن دعاءهن هو من أجل الموت السريع، أثناء نومهن، وأطفالهن بين أذرعهن. يجب أن نخجل جميعا من أن أي أمّ، في أي مكان، تُضطر إلى مثل هذه الدعاء».

يونيسيف: كاثرين راسل
أمام مجلس الأمن

«أكثر من 5000 طفل فلسطيني خلال 46 يوما فقط- أي أكثر من 115 طفلا يوميا على مدى ستة أسابيع. الأطفال يشكلون 40 في المئة من الوفيات في غزة. إن ذلك الأمر غير مسبوق مما يجعل القطاع أخطر مكان بالنسبة للأطفال في العالم. إن أكثر من ألف ومئتي طفل لا يزالون تحت أنقاض المباني التي تم قصفها أو أنهم في عداد المفقودين. لقد تجاوز عدد الوفيات في الأزمة الحالية بكثير إجمالي عدد الوفيات خلال فترات التصعيد السابقة، مشيرة إلى التحقق من مقتل 1.653 طفل خلال 17 عاما من الرصد والإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة في الفترة بين عامي 2005 و2022».

قائمة العار

هناك عدد من المسؤولين الأممين غابوا عن المشهد، أولهم كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي طار إلى أوكرانيا في أول الحرب وأصدر مذكرة اعتقال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما جاء إلى معبر رفح ليدين حركة حماس بأقسى العبارات ويتكلم عن المحرقة اليهودية، ويخرج دون أن يدين ما يحدث في غزة أو أن يعد بملاحقة مجرمي الحرب، كما فعل في أوكرانيا.
فرجينيا غامبا، ممثلة الأمين العام للأطفال والنزاعات المسلحة، والتي حذفت اسم إسرائيل من قائمة العار للسنوات الأربع الماضية. اختفت عن المسرح تماما وكأن الأمر لا يعنيها. زارت السعودية يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر خلال الحرب على غزة. لم نسمع منها إلا يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر، في بيان مشترك باهت تحدث أكثر عما جرى يوم 7 أكتوبر ثم اختفت تماما إلى غاية هذه اللحظة. أودري أوزولاي المديرة العامة لليونسكو الغائبة عن المشهد. أصدرت بيانا حول مقتل 7 صحافيين في بداية حرب الإبادة. وقد زاد العدد عن 53 صحافيا وهي ما زالت غائبة. المسؤولة الأممية، أليس وريمو نديريتو، المستشارة الخاصة لجريمة الإبادة البشرية، أصدرت بيانا وحيدا تعليقا على ما جرى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر جاء فيه أنها «تدين فيه بأشد العبارات الأعمال الإرهابية المتعددة والمنسقة التي وقعت صباح السابع من أكتوبر والهجمات التي شنتها حركة حماس والتي تستهدف بشكل واضح المدنيين في الأراضي الإسرائيلية» وتعرب عن تعازيها لعائلات جميع الضحايا. كما تدين أخذ رهائن إسرائيليين من قبل حماس» بعد ذلك اختفت وكأن الذي يجري في غزة لا يعنيها.
هذه هي الصورة اليوم حول تناقض المواقف في الأمم المتحدة وانحياز العديدين مع القاتل والمحتل والعنصري ضد عشرات الألوف من الأبرياء والضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والجرحى.

  • عن القدس العربي

 

مشاركة