العاشق والبطل في اسطورة ظريف الطول
السبت 27/01/2018صيدا – شبابيك ـ انس يونس علي
“ظريف الطول”، الاغنية والاسطورة، أو الاسطورة والاغنية، ايهما صنع الاخر؟ اختلف الرواة على رواية القصة. ففي احدى الروايات تبدأ قصة “ظريف الطول” التي تحولت الى احدى الموروثات الغنائية مع “عناة” وهو اسم آلهة الخصب لدى الكنعانيين ويعنى التجدد والولادة.
يحكى أنه في إحدى القرى الشمالية من فلسطين، كانت تسكن فتاة اسمها على اسم الآلهة “عناة”، أحبت شابا يدعى “ظريف الطول” وأحبها إلى حد العشق، وكانا يلتقيان عند نبع الماء الموجود في القرية بالخفاء.
وعندما علم أهل القرية بهذا التقارب بين “عناة” و”ظريف الطول”، بدأت المشاكل والحروب لتفرقتهما، وقام أهل “عناة” بسجنها داخل المنزل، وعينوا حراس عليها من إخواتها وأولاد عمومتها، حتى لا تسطيع رؤية “ظريف الطول”، بناء على العادة المتبعة آنذاك، أي تفضيل الزواج من ذوي القربة أولاد العم.
أصيب “ظريف الطول” بحزنٌ عميق نتيجة عدم قدرته على لقاء “عناة”، وأصبح لا يطيق المكوث في قريته، ومن جهتها حاولت “عناة” كثيرًا رؤيته ولكن دون جدوى.
تدهورت حالة “عناة” كثيرا عندما علمت أن “ظريف الطول” ينوي الرحيل عن القرية، وطلبت من احدى صديقاتها نقل رسالة إليه جاء فيها:
يا ظريف الطول وقف أقولك.. رايح عالغربة وبلادك أحسنلك
خايف يا المحبوب أتروح وتتملك.. وتعاشر الغير وتنساني أنا
يا ظريف الطول يا سن الضحوك.. يلي رابي في دلال أمك وأبوك
يا ظريف الطول يوم إلى غربوك.. شعر رأسي شاب والظهر انحنا
يا ظريف الطول وين مهاجر وين.. نتمنى من الله ترجع عنا هين
بلكي أنا وأنتا بنتلاقى عالعين.. ونغني عتابا ونصدح ميجانا
وتفيد احدى الروايات بأن “ظريف الطول” اقام في قرية كان غريباً عنها، وكان يعمل نجّاراً عند شخص يدعى “أبو حسن”، الذي كان يعطيه أجره كل أسبوع ولكن لم يكن يعلم ماذا يفعل اجيره بالمال.
أجمع أهل القرية على ان “ظريف الطول” كان ذا خلق ولا يرفع عينه باتجاه امرأة، رغم أن فتيات القرية كنّ يحاولن التقرّب منه، حتى أن زوجة مختار القرية طلبت منه أن يصنع لها خزانة كي تلفت نظره لابنتها، وزوجة خطيب المسجد صنعت عنده صندوقا خشبيا للملابس وحدّثته عن ابنتها، وحتى الخطيب لمّح إلى الموضوع في خطبة الجمعة من دون فائدة، لأن “ظريف الطول” لا تعنيه هذه الأمور.
حسب الرواية هجمت إحدى العصابات الصهيونيّة على القرية في يوم من الايام واستشهد ثلاثة شبّان. وفي اليوم الثاني، غادر “ظريف الطول” القرية وعاد بعد أربعة أيام ليلاً دون أن يراه أحد، حتى عادت العصابات بعد شهر لتقتحم القرية. حينها قام “ظريف الطول” بتوزيع خمس بنادق على الشبّان كان قد اشتراها من ماله الخاص، وتم قتل ستة أشخاص من العصابات. وفي اليوم التالي، باعت النسوة ما يملكن من مجوهرات وذهب لشراء البنادق بثمنها. وعند عودة العصابات للأخذ بالثأر، اندلعت معركة كبيرة في كروم التفّاح واستشهد عدد كبير من أبناء القرية، وفي الوقت نفسه سقط عدد كبير من أفراد العصابات.
وعندما قام أهل القرية بجمع جثث الشهداء، لم يجدوا “ظريف الطول” بينهم ولم يكن بين الأحياء واختفى. أجمع أهل القرية على أنه قاتل بشراسة وقتل أكثر من 20 شخصاً من أفراد العصابات وأنقذ بعض شبان القرية، لكنه لم يظهر بعد المعركة. ومرّت الأيام وصار “ظريف الطول” أغنية القرية: “يا ظريف الطول وين رايح تروح.. بقلب بلادنا تعبّقت الجروح، يا ظريف الطول وقف تاقولك.. رايح عالغربة فلسطين أحسنلك”.
تجدد “ظريف الطول” لاحقا مع كل زمن فلسطيني، يتم الاحتفاء به في الانتصارات القليلة، واستعادته بحسرة في ازمنة الانهيارات والهزائم. تروى قصته مرة بفخر واخرى بحزن، لكن صانع الشخصية ما زال مختلفا عليه، ومازالت جداتنا المهجرات من بلداتهن المنكوبة، يروين الحكايات عنه على مسامعنا بعفوية، بقصد تسليتنا أو حثنا على النعاس، من دون أن يدركن الدور العظيم الذي يؤدينه عبر ذلك، لجهة الحفاظ على هذا التراث