logo
شبابيك يبحث عن النظرة الاخيرة للبيوت التي غادرها اصحابها
السبت 17/02/2018

صور – شبابيك – ايمان الرفاعي ورانيا سعد الله

ما زالت اللحظة على حالها في ذاكرتهم المتعبة، لم تنل منها السنون، والقهر المتراكم، تداعبهم في مخيماتهم، بحثا عن فرصة للبوح، وحين تجد طريقها تخرج محملة بذلك الوعي الذي رافقهم حينها، مغمسة بشئ من الاحباط وبعض الامل.

“شبابيك” دق نواقيس البوح وبحث في شهاداتهم عن اللحظة التي شهدت النظرة الاخيرة الى بيوتهم عند مغادرتها




الحاجة فضّية عيسى محمود – مواليد قرية لوبية قضاء طبريا عام 1938

تقول الحاجة فضّية عيسى محمود من مواليد فلسطين عام ١٩٣٨- قرية لوبية قضاء طبريا خَرجت من فلسطين بعمر العشر سنوات ولا زلت اتذكر ما حصل فقد كانت فلسطين خاضعة للانتداب البريطاني وبدأت بريطانيا تتحضر للانسحاب، اتضحت ملامح المؤامرة مع أعلان فلسطين وطن قومي لليهود بموافقة عربية، كان في فلسطين “يهود وطنيين” بنسبة قليلة وبعد هذا الاعلان بدأ اليهود يأتون من كل انحاء العالم الى فلسطين ودخلت العصابات الصهيونية بالتزامن مع الانسحاب البريطاني وتهجرنا، عندما تركت فلسطين “شعرت بغصة يمّا، محدش بترك بلاده وبكون مبسوط ولو بعطوني قصور هون مش مبسوطة بدي وطني بدي فلسطين”. كانت رحلة تهجير قسري سرنا بين الجبال والوديان والوعر، وصلنا يارون ومارون مشياً على الاقدام، كنا بين الحين والاخر نجلس تحت الشجر، الكثير من النساء انجبن اطفالهن في العراء حتى انني اذكر ان هناك ام وضعت طفلها تحت شجرة السريس وكبر الطفل واصبح لقبه ابو سريسه،  وصلنا الى بنت جبيل، في بنت جبيل جاءت بوسطات نقلتنا الى مخيم البص “المستشفى الحكومي” وضعونا في شوادر وبدأو بتقديم المعونات لنا، صرنا نخبز ونطعم اطفالنا، ومنذ ذلك الوقت ونحنُ ننتظر أن نعود الى فلسطين، ودائماً بطلب من الله وبقول “جاي جاي ريتني ما اموت الا بالقدس” بدي ترجع فلسطين ويرجع الشعب الفلسطيني وتتحرر القدس وتنسى العالم هذه المخيمات وعيشة المخيمات.




الحجة سعدى الصغير – مواليد بلدة الناعمة قضاء صفد

تبدأ الحجة سعدى الصغير من بلدة الناعمة قضاء صفد حديثها عن ذلك اليوم قائلة كان عمري خمسة عشر عاماً، في ذلك الوقت أخبرونا انها مجرد سبعة أيام وتعودون إلى البلاد، بعضهم أخبرنا بأن البلاد العربية تكذب علينا ومن الأفضل أن لا نغادرها، لكن والدي رحمه الله أصر على المغادرة خوفاً من أن يتهمنا أحد بالخيانة، ذهبنا إلى الطينة ومكثنا هناك ثلاثة شهور إلى أن دخل اليهود وقتلوا ابن حسيب بيك غادرناها إلى بلدة قرب الطينة.

يوم اخدونا على الحدود قالوا بتعرفي بلادك؟ قلتلهم آه بعرفها هياتها بلدنا بعدها متل ما هي “تشتتنا وماتت اولادنا ومش عايشين عيشة منيحة، يا ريت لو نرجع على بلادنا”

تشير الحجة أمينة أحمد العربي من قرية إكسال قضاء الناصرة الى انها كانت في الثالثة عشر من عمرها وتذكر جيداً كيف غادرت البلاد وقذائف المدفعية والطيران الإسرائيلي خلفها “وصلنا إلى مغارة قرب بلدة نمرين، بقينا هناك حتى المغرب، وما ان عدنا حتى عادت إسرائيل الى قصفها المدفعي وأستشهد الكثير من الناس حينها، غادرنا البلد إلى نمرين وبعدها إلى الرامة، شاهدت بعض النسوة يلدن تحت شجر الزيتون خلال ذهابنا إلى بلدة يارون، بقينا فترة من الوقت إلى أن تشاجرنا نحن وعائلة من أهل البلد وذهبنا بعدها إلى عنجر، زرت فلسطين أربع مرات وكانت اول زيارة لي وانا بعمر العشرين، دخلت عن طريق الأردن وكان معي اثنين من أولادي قمنا بزيارة القدس والصلاة فيها “قلبي بفتح لفلسطين”.




الحاج يوسف السعيد “ابو رياض”- مواليد قرية لوبية قضاء طبريا عام 1928

يرتجل الحاج يوسف السعيد “ابو رياض” الذي يعاني من ضعف البصر والسمع بعض الابيات وتفيض ذاكرته التي تأبى ان تشيخ على الرغم من بلوغه ٨٩ عاما.

الحاج ابو رياض من قرية لوبية قضاء طبريا، خدم سنتين في الجيش البريطاني وخرج من فلسطين وهو في عمر العشرين عاماً، يروي لنا تفاصيل واحداث لا زال يذكرها وكأنها حدثت قبل لحظات قائلا انتظرنا مساندة جيش الانقاذ العربي الذي وعد بتحرير فلسطين خلال ٢٤ ساعة وتدخل فعلياً لمدة لم تتجاوز ١٠ ايام وبعدها فروا، لقد غدرنا العرب وخذلونا. بدأت القرى والمدن المجاورة للوبية تسقط بلدة تلو الاخرى، سطقت طبريا التي تبعد ١١ كلم عن لوبية، والناصرة التي تقع من الغرب وقرى كفرسبت والشجرة وغيرهما وبدأ اليهود يرمون قنابل المورتر والهاون على قريتنا ثم دخلوها ونكلوا فيها “وعندما خرجنا من فلسطين شعرنا بأن الدين راح منا خسرنا كل شي” بهذه العبارة يستكمل الحاج ابو الرياض حديثه ويستطرد قائلاً “خرجنا ونحن موعودون بالرجعة، كنا ولمدة ٣٠ سنة في لبنان ننتقد من يبني حجر واحد على اعتبار اننا سنعود الى فلسطين الا انها وعود كاذبة، ما حصل مسرحية هزلية، تمثيلية، غدر بريطانيا وتخاذل الانظمة العربية التي سلمت فلسطين، زرت فلسطين ٣ مرات، مرتين عام ١٩٨٢ ومرة عام ١٩٩٢ كنت اذهب لزيارة اختي في عرابة قضاء عكا وكنت في كل مرة اذهب الى لوبية واراها فهي لا تبعد كثيرا عنا، اثناء زيارتي لفلسطين كنت أرى الشباب هناك، لديهم حماس ووطنية وثقة بأنفسهم اكثر بكثير من الشباب هنا، ودائماً يرددون يوماً ما سنحرر فلسطين من الاسرائيلين وحصل ان شاهدت مواجهات بين الشباب الفلسطينيين والاسرائيليين وكان الفلسطينيون يتفوقون عليهم مع انهم لا يملكون اي اسلحة فهم ليس لديهم اي خوف ويعرفون تماما ان الاسرائيليين جبناء وقوتهم فقط بسلاحهم.

يختم الحاج ابو رياض حديثه قائلاً: فلسطين التي احفظها عن ظهر قلب بلداً بلداً وبالكيلو متر المربع من القدس ويافا ورام الله ونابلس وجنين ليست للبيع لن نتخلى عنها ولن ننساها لكنتا فقدنا ثقتنا بالعرب نريد قدرة رب العالمين وإن يخلق جيل جديداً فعلاً يريد التحرير، فعلاً يريد أن يجاهد وليس جيلاً اتكالياً انهزامياً يريد فقط الحصول على الراتب الشهري.

تاريخ من العتب والنقمة، الحزن والحنين، يلازم تلك اللفتة، هرم ذلك الجيل وبقيت روايته على حالها، تنوء بحملها السياسي، لم تتعب لحظته الشعورية، وما فقد الامل، معادلة قد يعيها علماء الاجتماع، والعمران البشري، والذين يتعاطون الادب لكن فهمها يستعصي على السياسيين، الذين يجزئون مثل تلك اللحظات، دون قلق من تبديدها.

مشاركة