logo
شبابيك يحاور مصور مسيرة العودة وجريحها
الأربعاء 9/05/2018

عثمان: لولا الكاميرا لم يعرف العالم ما يحدث في الضفة والقطاع

 

بيروت – شبابيك ـ رانيا سعد الله وايمان جمال الرفاعي

محمد عثمان مصور صحفي من غزة، أصيب في ذكرى النكبة من العام ٢٠١١ اثناء تغطيته “مسيرة العودة” التي انطلقت من كافة البلدان الواقعة على الحدود مع فلسطين المحتلة، ومن مناطق الداخل الفلسطيني إلى نقاط التماس مع اسرائيل. التحق محمد بداية دراسته الجامعية بكلية الحقوق لكنه لم يجد نفسه فيها، مما دفعه للتوجه الى دراسة التصوير الصحفي.

خلال لقاء مع “شبابيك” تحدث محمد حول تفاصيل حادثة إصابته، ورحلة علاجه، وإصراره على تخطي الإصابة والعودة الى ممارسة حياته الطبيعية، والأمل الذي لم يفقده يوماً كأي فلسطيني يؤمن بمقولة “ونحن نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا” وكان هذا اللقاء:

* ما هي الظروف التي اصبت فيها وكيف تفجرت الأوضاع على الشريط الحدودي الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة؟

ـ في يوم ١٥ أيار من عام ٢٠١١ كانت هناك فعالية أطلق عليها “مسيرة العودة”، خرج المتظاهرون من كافة الأراضي الفلسطينية والدول المحيطة بفلسطين المحتلة، وتوجهوا إلى المناطق الحدودية مع فلسطين التاريخية، وكالعادة توجهتُ لتغطية الحدث عند معبر بيت حانون، كان يبدو برنامج التظاهرة عادياً ويسير كما خطط له القائمون عليها، إلا أنه بعد انتهاء برنامج المظاهرة وانتهاء كلمات الفصائل، اندفع كم هائل من الشباب نحو الحد الفاصل مع الاحتلال، وبدأوا بإلقاء الحجارة، ثم رد عليهم جنود الاحتلال بقنابل الصوت بهدف تخويفهم ومنعم من الاقتراب من الحدود، مما أدى لحدوث إصابات كثيرة بين جمهور المتظاهرين.

كنت خلال هذه اللحظات أعمل على توثيق الحدث، وتصوير اعتداء جنود الاحتلال على المتظاهرين العزل، كان مشهد الجندي الذي يقف فوق الجدران الأسمنتية ويوزع حمم قنابله على المتظاهرين مريعاً.

اثناء قيامي بالتصوير تم إطلاق النار نحوي من الجندي المتمركز فوق البرج العسكري البعيد عني حوالي ٣٠٠ متر، حيث كنت ارى الجندي وهو يطلق النار على المتظاهرين ولكن لم اتوقع ان يطلق النار علي باعتباري صحفي، فأصابني بشكل مباشر بطلق ناري متفجر اخترق يدي اليسرى، واستقرت شظاياه في الرئة وتحت القلب، بدأت بالانهيار والسقوط على الأرض اثر الإصابة ورأيت الدم يخرج من يدي، ثم غيبت عن الوعي قبل نقلي إلى المستشفى.

* كيف تلقت العائلة خبر اصابتك؟

ـ عند الاصابة كانت زوجتي حامل في شهرها السابع، تلقت من خلال عملها في صحيفة فلسطين خبرا بأن صحفياً قد تعرض للإصابة، حاولت الاتصال بي للاطمئان عليّ، فهي على علم بأنني كنت أغطي الأحداث في ذلك المكان المشتعل، ثم علمت من زملائي بإصابتي، وأخبرت العائلة التي سارعت للحضور إلى المستشفى الذي كنت أتلقى العلاج فيه.

أخبر الأطباء العائلة أن الرصاصة مستقرة بالقرب من العمود الفقري ويجب اخراجها في أسرع وقت من خلال تحويلي إلى مشافي دولة الاحتلال.

سارعت العائلة إلى تجهيز التحويلات الطبية والأوراق اللازمة، إلا أنه لم يسمح لي بالخروج من غزة باتجاه دولة الاحتلال، فقرر الاطباء إجراء العملية في مستشفى الشفاء بغزة، تم اجراء العملية، وسحب الرصاصة، ثم جاء الخبر للعائلة بأنني لن استطيع المشي بعد هذه العملية، لأنني أصبحت مشلولاً، فأخفت العائلة الخبرعني.

* كيف بدأت رحلة العلاج وما هي مراحلها وكم استمرت؟

ـ بقيت في غزة حوالي ٢٥ يوماً إلى ان استقرت حالتي وتم إخباري خلال هذه الفترة بما أخفاه الأطباء عني، ثم جرى تحويلي إلى مستشفيات الأردن من قبل نقابة الصحفيين ومكثت هناك حوالي الشهرين، تم خلالها إجراء العديد من العمليات، انتقلت الى تركيا لاستكمال العلاج حيث بقيت لمدة سنة وثمانية اشهر، كانت رحلة طويلة، تمكنت خلالها من السير باستخدام ال walker، ثم أصبح باستطاعتي السير باستخدام العكازات.

كانت لدي إرادة رهيبة لتخطي الإصابة، ورفضت رفضا قاطعاً أن أظل قعيدا في الكرسي المتحرك، وكان لدي الأمل على تجاوز الإصابة مما ساعدني على التحسن.

* هل عدت الى غزة بعد ذلك، وكيف كانت الأحوال هناك؟

ـ ذهبت الى غزة في شباط من العام ٢٠١٣ كنت مشتاقا لغزة بعد الرحلة الطويلة، ومكثت فيها إلى أن حلّ شهر تموز٤٢٠١ ، وبدأت الحرب الأخيرة عليها، قررت ان اعود لممارسة عملي كمصور صحفي، وفعلاً بدأت اتنقل بسيارتي التي تم تجهيزها بمعدات التصوير على الرغم من صعوبة التنقل بالسيارة أثناء الحرب حيث كان الاحتلال يعتمد قصف كل ما هو متحرك، وألاحق الأحداث أولاً بأول في غزة والشمال والشجاعية، وكانت وكالة AFP الفرنسية تأخذ الصور وتقوم ببثها.

بعد انتهاء الحرب، خرجت إلى بيروت لاستكمال الرعاية الطبية غير المتوفرة في غزة، وأجتهدت لتحقيق رغبة اطفالي، فهم دائما يعطونني دافع وقوة لتخطي الإصابة، وكلي إيمان بأنني سوف أسير مجدداً على قدماي.

* ألا يمثل العمل الصحفي في مناطق الحروب وغزة على وجه التحديد خطراً على حياة الصحفيين؟

– نحن كصحفيين نتوقع دائما استهدافنا، وقد تصل نسبة المخاطرة في تغطية بعض الأحداث إلى 60%، لقد استشهد العديد من الزملاء منهم علي أبو عفش، وصديق اخر مصور اجنبي فارق الحياة، وأصيب صديقي الذي شجعني على العودة الى العمل “حاتم موسى” حيث أصيب في وقت التهدئة عندما كان يصور معاناة الشرطة خلال تفكيكها المتفجرات وكانت اصابته خطرة فقد فيها اطرافه ومعدته وتوقف قلبه ثلاث مرات خلال نقله للمستشفيات الاسرائيلية للعلاج.

* ما مدى رضاك عن الجهات الفلسطينية والمؤسسات الدولية التي قدمت لك الدعم سواء كان ماديا او معنويا ؟

ـ الدعم المعنوي من الجهات الفلسطينية كبير جداً، نقابة الصحفيين لم تتركني، على الرغم من ضعفها وافتقارها للدعم الدولي، الدعم المعنوي موجود لكن الصحفي الفلسطيني يحتاج اكتر من الدعم المعنوي والمادي، هو بحاجة الى الحماية الدولية التي تجبر الاحتلال على عدم المساس به، وكفالة حقه في ممارسة عمله دون اعتراض.

* حصلت على عدد من الجوائز خلال عملك برأيك ما هي مواصفات الصحفي الناجح ؟

ـ حصلت في العام ۲٢٠١ على جائزة الشهيد علي حسن الجابر في مسابقة بين ٤٠ صحفيا تعرضوا للانتهاكات و في العام ٢٠١٤ على جائزة من مركز الدوحة للإعلام.

معايير نجاح أي مصور، هي القوة الداخلية التي تدفعه إلى التصوير والإيمان بما هو أسمى من الماديات، والرغبة الدائمة في خدمة قضيتنا الفلسطينية، وايصال معاناة شعبنا مع الاحتلال إلى العالم.

دور المصور كبير في نقل الصورة إلى العالم، وفضح جرائم الاحتلال الصهيوني، ولولا الكاميرا ما عرف العالم بما يحصل في غزة والضفة من انتهاكات فاضحة، لذلك اشعر عند استشهاد أي صحفي في غزة بأن من واجبي أن أكمل مسيرته.

* لاي حد يختلف واقع مخيمات غزة عن مخيمات لبنان؟

ـ أنا فلسطيني لاجيء الى قطاع غزة من قرية زرنوقة قضاء الرملة، أهلي هجروا الى دير البلح وسط قطاع غزة ثم انتقلنا الى مخيم جباليا.

المخيمات في غزة مختلفة نوعا ما عن مخيمات لبنان، لكن يكاد يكون الاختلاف بسيطا.

* كشباب فلسطيني في الشتات كيف ينظر لنا شباب الداخل في فلسطين؟

ـ نفكر دائما كيف نقف معكم ونساندكم وندعمكم حتى تصبروا وتتحملوا اللجوء لأننا وببساطة رغم أن الوطن مقسم “ضفة وغزة” ولا يمكننا التنقل الا أننا لا زلنا نشعر باننا في وطننا وعلى أرضنا.

مشاركة