logo
عود فلسطيني من خشب الزيتون
الأحد 14/08/2022

بيروت ـ زهرة مرعي

عود فلسطيني الصناعة والهوية من خشب الزيتون. ذو زند ولد مع جسمه «الزند الكامل» تماماً كما يولد الإنسان مع أطرافه. نغماته أصيلة لا تُقلّد، له خاصية زيتون فلسطين، الذي يقاوم عدوانية قطعان المستوطنين المفرطة على أشجاره. ولادة هذا العود بدأت من مخيلة حسن دريدي الأستاذ في كلية الفنون في جامعة النجاح في نابلس. حسن الدريدي الذي عشق العود والموسيقى منذ طفولته شغله في شبابه أن يكون لفلسطين عوداً يحمل اسمها ويُصنع من شجرتها المقدّسة. وهكذا كان بعد أبحاث ومحاولات استمرت لأكثر من خمسة وعشرين عاماً. ففي سنة 2005 خرج العود الفلسطيني إلى الناس، وبه يفتخر حسن الدريدي ويعلن أنه لا يزال يتابع البحث وصولاً إلى نغمات أفضل. نغمات يتراقص معها زيتون فلسطين ويكيد المحتلين المارقين.

مع حسن الدريدي هذا الحوار:

 ○ ارتبط اسمك بصناعة العود من شجر الزيتون. هل تطلعنا على كيفية ولادة المشروع؟

  • أحببت آلة العود وأعزف عليها منذ الطفولة. وتمثّل حلم حياتي بأن أصنع بنفسي آلتي الموسيقية. هاجس رافقني إلى أن أصبح حقيقة. نعيش تحت الاحتلال الذي يمنعنا من الاستيراد ويضيّق علينا حتى النفس. لهذا يحافظ كل موسيقي على آلته لصعوبة إصلاحها في ظروفنا القائمة. لم تكن الامكانات تسمح بشراء عود فاخر، لهذا كان التصنيع هاجسي. مع هذا الهاجس اجتمع الزيتون، فنحن في فلسطين نعشق أشجارنا. كما أن نساءنا تحتضن شجرة رغم كوننا مجتمعاً محافظاً. وتطلق الأمهات اسماء أبنائهنّ على شجر الزيتون الذي يكون بعمرهم سواء كان بعضهم معتقلاً أو شهيداً. والأم تحاكي الشجرة وكأنها ابنها. وأذكر خلال انتفاضة بيروت تحدثت سيدة لبنانية إلى الإعلام وأستشهدت بـ«الفلسطينيين الذين يحضنون شجرهم». فعدا رمزية الزيتون المقدّس والمبارك، اخترت صناعة عود من خشبه. وكون العود يُنسب لصانعه اخترت خشبه من فلسطين، فصار مئة في المئة فلسطيني الهوية. أنا عازف عود وأكاديمي وباحث، وعملت لأكثر من 25 سنة لاكتساب مهارات الصانع.

 ○ ومتى صار الحلم حقيقة وما هي المصاعب التي مرّ بها؟

  • أعمل في جامعة النجاح كموظف إداري وأستاذ العزف على آلة العود منذ سنة 2003. فجامعة النجاح دخلت عامها الواحد بعد المئة، وهي أكبر بكثير من عمر دولة الاحتلال، وكانت رائدة في افتتاحها كلية للفنون. عملي في الجامعة أتاح لي تطوير أبحاثي خاصة وأني لم أكن أهدف للربح، بل لرد الجميل لهذا الشجر المبارك الذي يُطعمنا الزيت والزيتون، ويدفئنا شتاء. فقلت له بأن يرافقنا في الغناء والعزف، وهو بالتأكيد سيغني سلامنا الوطني في يوم قريب. وفّرت جامعة النجاح مكاناً للأبحاث وللورشة المرافقة. كما أن صناعة العود باتت مادة تُدرّس لثلاث ساعات معتمدة في الأسبوع، وهذا نادر على صعيد العالم. وكذلك اُنجزت منهجة علمية للمادة بمساعدة قسم العلوم الموسيقية في كلية الفنون. التجربة والبحث مستمران رغم ولادة أول عود من شجر الزيتون في سنة 2005 فنحن لم نرث معلومات ومعرفة من هذه الصنعة بل نستكشفها ونبنيها. وقد نخلق منها كتاباً قيماً ومفيداً لكل الوطن العربي. نعم لقد واجهتنا العديد من الصعاب حتى أنجزنا العود الأول، فلست حرفياً يتقن الصنعة. حاولت تعلّمها لدى الأستاذ نزيه غضبان في لبنان فاعتذر بكل احترام لضيق وقته. مع العلم أن محترفي صناعة العود يحتفظون بأسرارها ويعلموها لأبنائهم فقط. وعندما أنجزنا في جامعة النجاح عوداً مع زنده بقطعة واحدة، نشرت المعلومة على النت ليعرفها كل من يرغب، واسميته الزند الفلسطيني.

 ما هي خصوصية خشب الزيتون عندما تُصنع منه آلة موسيقية؟

  • تناولنا العود الفلسطيني كموضوع أكاديمي ذو رمزية وطنية. فنحن في كلية الفنون هدفنا أن نصنع تحفة وطنية جميلة، من شجرة هي الوحيدة التي تمد بلادنا بالخيرات، وهي تنمو ربانية وبرية. فقد اعترف بروفسور صهيوني بخطأ استقدام أشجار من أوروبا إلى فلسطين تحتاج الكثير من الماء كي تستمر. نحن الكنعانيون أهل الأرض نعرف المزروعات التي تنمو فيها. وكما قال محمود درويش للصهاينة «إسرقوا ما شئتم من صور كي تعرفوا أنكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء». أرضنا وزيتونها يعرفوننا.

 وهل أحبّ الزيتون الموسيقى؟

  • آه بالتأكيد. عندما صنعت أول عود ورحت أطور الصناعة كانت عندي اكتشافات كثيرة. فالزيت بطبيعته كاتم للصوت، ولهذا لا تُصنع من خشب الزيتون آلات موسيقية. ونحن في فلسطين كنا الأوائل. ليكون للعود المصنوع من الزيتون صوته المسموع يجب أن يجفف الخشب. علمياً تجفيف الخشب من الماء أسهل من تجفيفه من الزيت. للجفاف أن يمنح رنيناً وانعكاساً أفضل لصوت الأوتار. أن أصنع عوداً من خشب لا يرنّ بالأساس فهذا ضرب جنون. لكنه الإصرار على القول للاحتلال أن خشب زيتوننا يرنّ ويغني معنا.

 قبل خشب الزيتون ما هو الخشب الأفضل للعود؟

  • ليس لنا التحدث عن الأفضل في بلد مغلق ومحاصر من الاحتلال. فنحن شعب يغزل ملابسه من خيط الشمس. وبما أني مُعلّم أقول لطلابي بأنه من الضروري أن نتعلم الطيران، لنطير فوق يافا وعكا. ورداً على السؤال فإن خشب الجوز بكافة أنواعه هو الأفضل لصناعة العود. طاسة العود والمفاتيح والزند تُصنع من خشب الجوز أو الزيتون، ويبقى الوجه معتمداً على خشب السرو وخشب الأرز وحدهما.

 بات لديك عوداً فلسطينياً بماذا ميزته إلى جانب خشب الزيتون؟

  • لم أغير في القالب ولا في الشكل المعروف للعود والموجود لدى حضارات عدّة من الدول العربية كافة إلى بلاد فارس وصولاً إلى الهند. ففي العراق وبلاد الشام ومنذ مئة سنة وإلى الآن، شهدنا إبداعاً موصوفاً في صناعة العود. فلا قالب مستقلا للعود. العود الذي أنجزته خشبه فلسطيني، وصنعه فلسطيني. ووجدت أن صناعة الموسيقي للعود تعطي نتيجة أكثر تميزاً من أن يصنعه حرفي. خلال عشرين عاماً من العمل على تصنيع العود وصلت إلى صوت جميل، لكنه في رأيي لا يزال صوته مبحوحاً. ومحاولاتي وأبحاثي متواصلة كي أرفع صوته. أما شكله فقد سخّرت له القدرات الموجودة في الجامعة وكذلك حصولي على تعاون من قسم الهندسة الكيميائية والهندسة الفيزيائية، ومساعدة الزملاء في المشاغل لتطوير هذه الصناعة، وفي تجفيف الخشب وتطوير آلية عمل الزند الكامل ولهذا باتت نغمات الأعواد المصنوعة حديثاً أكثر جمالاً، وأعلى صوتاً. إذاً كل عود جديد نضمّنه كل ما نتوصل إليه من أبحاث ودراسات جديدة في علم الصوت.

 ان تصمم العود الذي تعتزم صناعته على الكمبيوتر هل هذا يُسهل تنفيذه؟

  • الصنّاع المحترفون كما نزيه الغضبان وألبير منصور في لبنان لا يحتاجون لتصميم يساعدهم على الكمبيوتر. في فلسطين ليس لدينا حرفيون في هذه الصنعة، لهذا يُعتبر الكمبيوتر عاملاً مساعداً في الحصول على الدقة. كذلك أردت لطلابي أن يأخذوا هذا المساق الحر في فصل واحد. واللافت أن الطالبات هنّ الأكثر إقبالاً على مساق صناعة العود. كافة الطلاب ينهون المساق وهم يتقنون كيف يصونون آلتهم ويتعرفون على كافة مراحل الصناعة.

 وهل لكل عود تصميم خاص به على الكمبيوتر؟

  • للكمان أحجام مختلفة بين ثمن وربع وغيره. وليس للعود قياس. كل صانع للعود يعمل على «كيفيه». أحاول من خلال الكمبيوتر توحيد القياسات عبر قاعدة علمية فيزيائية فيما يخص الصوت، والمسكة الصحيحة. ألبير منصور أستاذ وقامة مهمة خاصة في تجاربه التي أدت إلى عود لا «يزحط». ومن جهتي عملت على الزند.

 وما هي حكايتك مع زند العود والاحتلال؟

  • كافة مدارس صناعة العود في بلاد الشام وبلاد الرافدين وحتى في المغرب العربي صنعوا زنده الذي يرتبط به بيت المفاتيح منفصلاً عن الصندوق الصوتي أي جسم العود، ويشبك به عبر خابور. مع تكرار شد الأوتار عبر السنوات سيقوّس زند العود، مما يحول دون العزف عليه. هذه المشكلة كانت تواجهني مع أعوادي، ربما لأن سعرها بسيط وصناعتها غير متقنة، ولم أكن حينها قادراً على اقتناء عود نظيف. في كلية الفنون في جامعة النجاح في عام 2005 أنجزت عوداً مع زنده وصندوقه كقطعة واحدة. وقلت للاحتلال زند العود الفلسطيني لن يُكسر، وكذلك زنودنا التي أصدر اسحق رابين أمراً بتكسيرها خلال الانتفاضة الأولى. وفي أيامنا هذه اقلعنا عن الحجارة وبتنا نضرب المحتل بالصواريخ.

 ماذا عن فيلم لحن الأرض؟

  • هو من إنجاز خمس طالبات من قسم الإعلام في جامعة فلسطين التقنية «خضوري» في الضفة الغربية، أردن فيلما عن صلتي بالعود. فحكيت لهن حكايتي منذ الطفولة.

 ○قبل سنة أنجزتم تصنيع آلة حفر على الخشب بواسطة الكمبيوتر CNC فما هو دورها في مسيرة الطلاب العلمية؟

  • نستخدم هذه التقنية في القص والحفرعلى الأخشاب وتصنيع العود. CNC آلة حفر بواسطة الكمبيوتر. وما لا نتمكن من شرائه نصنّعه، حتى الأجنحة سنصنعها لنطير فوق يافا. تكنولوجيا CNC حديثة ومهمة لخلق جيل يعمل ويحفر وينقش ويثابر. وهي ساعدتني بجزء منها في صناعة العود. ويمكن استخدامها في كافة أنواع الحفر.

 ما هي مشاريعكم المقبلة شخصية أو على صعيد الجامعة؟

  • سنبقى نحلُم ونحقق أحلامنا بوجه الاحتلال. أما حُلمي الذي يرافقني منذ زمن إهداء فيروز ومارسيل خليفة عوداً مصنوعاً في فلسطين ومن زيتونها المقدس. أشعر بذنب حيال السيدة فيروز التي عجزنا عن تحقيق رغبتها بأن تُصلي وتدق الأبواب. نحن كشعب نحمل مسؤولية نحو فيروز الرمز.

 فلتصنع عوداً باسمها وترسله لها؟

  • من يوصلني إليها؟ هل تكونين الوسيط؟ أريد تقديم العود لها شخصياً وتقبيل يدها وشكرها على كافة الدروس التي تعلمناها من فنها. فهل الرئيس الفرنسي ماكرون أحق مني بزيارتها؟ بالأصل ماكرون لا يسمعها، فيما نفعل ذلك صبحاً وعشية.

  • عن القدس العربي
مشاركة