مخيم مرضى التلاسيميا
الأربعاء 21/03/2018صور ـ شبابيك ـ ايمان جمال الرفاعي
مع مرضي التلاسيميا والمنجلي تكتمل متلازمة معاناة سكان مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان حيث يواجهون كغيرهم من اللاجئين في تلك المناطق وغيرها أوضاعا اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة.
تفيد التقديرات بمئات الاصابات داخل المخيم، وعائلات بأكملها تعاني من المرضين، ولا يخفى الغياب الواضح لدور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” والجهات المعنية ليبقى المريض وحيدا يصارع الالم من جهة ويدور في دوامة البحث عن العلاج والعناية والاهتمام الكافيين.
تقول سوسن رحيل مسؤولة ملف مرضى التلاسيميا في مخيم برج الشمالي لشبابيك: يُطلق على مخيم برج الشمالي مخيم مرضى التلاسيميا لوجود اكبر عدد من من الاصابات في المخيم، وهذا العدد في تزايد فقد كان عدد المصابين في السابق ١٥٠ حالة ووصل الان الى ٢٨٢ مريضا، منهم من يحمل التلاسيميا ومنهم من يحمل مرض المنجلي (sickle cell) ومنهم من يحمل الأثنين معاً. ومرض المنجلي منتشر أكثر من مرض التلاسيميا، وهناك فرق بين الاول والثاني حيث تختلف اعراض هذين المرضين. أما عن السبب الأساسي للمرض فهو عوامل وراثية نتيجة لزواج الاقارب حيث يُنقل من الأباء الى الأبناء ان كان أحد الأباء مصاب بالمرض أو أن الوالدين يحملان اشارات المرض.
من أعراض مرض التلاسيميا ضعف الدم ترافقه اوجاع مختلفة وغالباً ما يصل المريض لعمر ٤٥ سنة ويتوفى. علاجه حاليا هو عبارة عن حبوب ( اكس جيت) التي تعمل على تنزيل نسبة الحديد في الدم حيث تكون عالية. أما مرض المنجلي فهو أكثر خطورة من التلاسيميا حيث يتعرض المريض لجلطات بسبب تغيير في خصائص كريات الدم الحمراء التي تاخد شكل المنجل وتتدحرج بدلا من جريانها كالاسهم مما يؤدي الى انسداد في الشرايين. يصاب مريض المنجلي بين فترة واخرى بـ “كريزة” من الوجع تستمر من ٥ الى ١٠ ايام ويبقى بحاجة الى السوائل والمسكنات. وفي حال الاهمال وعدم المتابعة والعلاج بشكل صحيح يصاب بجلطة في الرئة او الدماغ، تضخم في الطحال، بحصة في المرارة ويحتاج الى غسيل الكلى.
تتابع رحيل أن أوضاع السكان داخل المخيم صعبة للغاية وهم غير قادرين على تغطية علاج المرض، فهناك عائلات لديها ثلاث حالات أو أكثر، منهم المصاب ومن تظهر عليه الاعراض.
وتضيف أن مرض المنجلي مكلف جدا من حيث الفحوصات والعلاج والمريض بحاجة لمتابعة بشكل دائم من قبل طبيب دم مختص، بالاضافة الى ضرورة اجراء فحوصات شاملة كل ستة اشهر، لا يستطيع المريض اجراءها على الاغلب بسبب ارتفاع كلفتها وغياب الجهات التي تتكفل بها.
وتشير الى أنه: في السابق لم تكن الاونروا تعترف بان هناك حالات تلاسيميا او منجلي الى أن قمت منذ ثمان سنوات باخذ الملفات الى مكتب الوكالة في بيروت ليتأكدوا من ذلك فأتت لجنة واجرت فحوصات للمرضى في عام ٢٠١٢، وحاليا تغطي الاونروا سرير المريض ونسبة من كلفة دواء “الاكس جيت” ليدفع المريض ما يقارب الـ ١٠٠$ من قيمة الدواء.
وتنصح رحيل خلال حديثها لـ “شبابيك” بالابتعاد عن زواج الاقارب وتؤكد ضرورة العمل على اجراء فحوصات دم قبل الزواج حتى لو لم يكن الزوجان من الاقارب. وتؤكد أنه لا يوجد ضررا اذا كان احد المتقدمين للزواج مصاب بالمرض، أما اذا تصادف اصابة الاثنين فهنا يتأثر الاولاد فيما بعد.
عن تجربتها الشخصية تقول سوسن التي اخذت على عاتقها متابعة ملف مرضى “التلاسيميا والمنجلي” بسبب اصابة اولادها الثلاثة وفقدان احدهم نتيجة الاصابة: كنت في كل مرة أدخل الى المستشفى لعلاج أولادي أرى حالات مشابهة فقررت أن أقوم بمبادرة فردية لجمع ملفات عن المرضى وعمل احصائيات استمرت قرابة الشهرين لأستطيع أن أقدمها لجمعيات قادرة على مساعدة المرضى. عندها شعرت بتحرك الجميع وبدأت العديد من الجهات بمتابعة الموضوع وأصبح يعرف ان هناك حالات تلاسيميا داخل المخيم حيث ان عدد كبير من المصابين لم يكن يفصح عن المرض لأسباب عديدة منها نظرة المجتمع لمريض التلاسيميا وجهلهم بالمرض لا سيما أن الكثيرين يطنون أنه مرض معدي ويمنعون أولادهم من اللعب مع مريض التلاسيميا، و عندما يصبح المصاب في سن الزواج يرفضون فكرة الارتباط به مما يؤثر نفسيا على المصابين ويشعرهم بأنهم منبوذين من المجتمع.
تقول منتهى التي تحمل شارة مرض المنجلي ومتزوجة من مصاب بمرض التلاسيميا والمنجلي لشبابيك: أنجبت طفلين، الاول عمره ١٠ سنوات وهو مصاب بالتلاسيميا الصغرى، ويعاني من تكسر الحديد، ومن أوجاع في العظام، وبحاجة الى غذاء جيد وصحي بالاضافة الى حاجته الى أدوية الحديد والفولك أسيد. والطفلة الثانية التي تبلغ من العمر ١٣ عاما وهي مصابة بمرض التلاسيميا والمنجلي وحالتها تتدهور بشكل دائم، مما يستدعي دخولها الى المستشفى. وخضعت الفتاة الى عدة عمليات “البحصة” و”المرارة”، وتحتاح دائما الى وحدات دم وتعاني من ترقق العظام بشكل دائم، مما يتسبب لها بأوجاع العظم في مختلف انحاء جسدها. كما أنها بحاجة الى متابعة طبية ورعاية دائمة والى الأدوية والعلاجات اللازمة.
تتابع منتهى قائلة: أعالج أولادي في مستشفى الجامعة الامريكية في بيروت على نفقتي الخاصة، مشيرة الى أنه لا يوجد طبيب مختص بأمراض الدم في عيادة الاونروا، ولا تتلقى مساعدات من أي جهة الا نادراً من بعض الجمعيات والمؤسسات.
وتضيف بأن الاونروا كانت في السابق تغطي علاجات مرضى التلاسيميا بنسبة معينة الا أن الدعم أوقف عنهم بعد التقليصات.
تقول منتهى: لو كنت أعلم أن زوجي مصاب بهذه الامراض ما أقدمت على الزواج، اكتشفت اصابة زوجي عندما اصبح عمر ابنتي سنة وأدخلتها الى المستشفى لأكتشف أنها تعاني من التلاسيميا والمنجلي وهو منقول لها بالوراثة عن والدها. وتختم منتهى حديثها قائلة: لا أريد أن أنجب المزيد من الاطفال، حذرني الطبيب بأن الطفل الثالث سوف يأتي مصاب بالمرض.
بالاضافة الى معاناة المريض الجسدية يعاني من اضطرابات نفسية بسبب نظرة المجتمع الدونية له واعتبارة عالة ولا يحق له الارتباط والزواج.
وللوقوف على تفاصيل المرض من الناحية الطبية التقى “شبابيك” الدكتور علي عجاوي الذي قال ان مرض التلاسيميا وراثي جيني وهو عبارة عن جزئين “بيتا والفا” موضحا ان “بيتا تلاسيميا” عبارة عن ثلاثة انواع، كبرى/ وسطى/ صغرى.
التلاسيميا الكبرى تنتقل الى الطفل في حال كان الاب والام يحملان جين التلاسيميا، أما اذا كان واحد فقط من الوالدين يحمل المرض يصاب المريض بالتلاسيما الصغرى، وفي الوسطى يكون احد الوالدين مصاب والاخر يحمل المرض. أخطر نوع هو التلاسيميا الكبرى وتظهر أعراضه على الطفل وهي بكاء وانزعاج وتخلف جسدي وعقلي وضعف في البنية وشحوب لون الوجه. والألفا تلاسيميا عبارة عن اربعة جينات خطرة اثنان من الأب واثنان من الأم تصيب الجنين وتؤدي احيانا الى وفاته في رحم الام.
وفي حال كانت ٣ جينات يتكون هموجلوبين اتش ومن علامته سوء التغذية، اصفرار، تضخم في عظام الوجه.
يتابع الدكتور عجاوي أن تشخيص المرض صعب قبل بلوغ السنة وشهرين الا في حال ظهرت العوارض سريرياً أو من خلال فحص الدم حيث يلاحظ تغيرات في كريات الدم الحمراء. الأفضل أن يتم تشخيص المرض بعد عمر السنة وشهرين من خلال تخطيط الدم ومعرفة نوع الهموجلوبين الموجود داخل الدم وبالتالي معرفة اذا كان الطفل مصابا بتلاسيميا أو منجلي.
علاج المرض المتداول يكون من خلال نقل الدم، وبعض عمليات زرع النخاع العظمي، استئصال الطحال والمرارة، أما العلاجات الاخرى فهي حبوب (الاكس جيت)، وتؤدي مضاعفات المرض الى التهاب الرئه، ثم جرثومة ذات الرئة.
والفارق بين التلاسيميا والمنجلي أن مرض التلاسيميا جيني بينما المنجلي مكتسب، والنسبة الاكبر من المصابين من مخيم برج الشمالي هي بسبب أن أساس سكان المخيم من منطقة الحولة حيث كان هناك مستنقع ويكثر فيه البعوض الناقل لبلازموديم الملاريا الذي يدخل الى كريات الدم الحمراء، وهي الخلية الوحيدة التي ليس لها نواة مما يؤدي الى اختراقها وتغيير شكلها لتصبح على شكل منجل ومن ثم تنتقل بالعامل الوراثي من جيل الى اخر. اعراض المرض تتمثل بتكسر في العظم، تضخم في الطحال، وعلاجه نقل كريات الدم الحمراء، دواء واقي لتكسير الدم بالاضافة الى (الاكس جيت).
يقول المختصون انه لا بد من اجراء تخطيط دم للمصابين في برج الشمالي يحدد بوضوح ما هو الوضع داخل المخيم، فهناك أمراض وراثية مختلفة مثل مرض فقر الدم المنجلي وهو من حيث المبدأ شبيه بالتلاسيميا وينتقل عبر الجينات الوراثية وتكون الكريات الحمراء على شكل منجل او هلال ويحمل اسم همجلوبين اس. يختلف عن التلاسيميا في شكل الكريات الحمر، لذلك يجب اعادة الفحوصات في مختبر طبي متخصص يستخدم معدات حديثة لتحديد وضع المصابين في المخيم، والوقوف على الوضع الصحي المتعلق بنسب واحصاءات هذا المرض والمساهمة في وضع الخطط الكفيلة لمواجهة أسباب المرض وكيفية معالجته ودرء مخاطره حماية للاجيال القادمة.
تقول مريم دياب أخصائية التغذية ان مرضى التلاسيميا الذين يحتاجون إلى نقل دم دوريًّا باستمرار بحاجة الى اتباع نظام غذائي صحي بسبب ترسب الحديد بكميات كبيرة في الجسم، لذلك يجب إنقاص كمية الحديد التي يمتصها الجهاز الهضمي من الطعام. وعلى مريض التلاسيميا التقيد بالأدوية لإبقاء الكمية اللازمة من الحديد في الجسم، وطرد الحديد الزائد عن الحاجة خارج الجسم، إضافة إلى معرفة جميع الوسائل الكفيلة بإنقاص امتصاص عنصر الحديد.
يشير المختصون الى ان أهم الأطعمة التي تقلل امتصاص الحديد مشتقات الحليب لاحتوائها على عنصر الكالسيوم، المفيد أيضا للوقاية من هشاشة العظام وكذلك الحبوب كالقمح والذرة والشوفان والأرز وحبوب الصويا التي تساعد على إنقاص كمية الحديد الممتصة. وتجدر الإشارة الى ان فيتامين (ج) يزيد امتصاص الحديد، وتحتوي الفواكه والعصير والخضراوات على كميات كبيرة منه، لذلك ينصح بعدم تناول عصير الحمضيات أثناء تناول الوجبات، والاستعاضة عنها بكوب من الشاي أو الحليب، ولكن يمكن تناول أنواع العصير هذه بين الوجبات.
وعن تغذية مرضى الأنيميا المنجلية يشير المختصون الى أهمية تناول غذاء صحي متوازن من خلال الفواكه والخضار والحبوب وتنظيم أوقات تناول الغذاء لتفادي ضعف الشهية. وتناول البروتينات عالية الجودة وهي من المصادر الحيوانية كاللحوم والأسماك والدواجن، وتناول الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة ومنها فيتامينات (أ، ب، ج، هـ) ومن المعادن السلينيوم. وكذلك الأغذية التي تقلل التجلط وتقليل الأغذية التي تحتوي على فيتامين (ك) كما ينصحون بتناول السوائل بشكل جيد وعدم انتظار العطش. ويؤكدون ضرورة زيادة السوائل في حالات الحمى أو الاسهال أو القيء، لأن بعض أدوية هذا المرض تسبب الامساك، وزيادة مصادر حمض الفوليك، وهو أحد مجموعة فيتامين ب المركبة الموجودة في البقوليات مثل الفول والعدس واللحوم والفواكه مثل الكيوي والفراولة والأناناس والخضروات الورقية مثل السبانخ والكرنب والخس