logo
ملاحظات على هوامش قمة انحدرت إلى القاع
الجمعة 17/11/2023
  • عبد الحميد صيام

انفضت القمتان العربية والإسلامية المدمجتان في قمة واحدة في الرياض يوم السبت الماضي، التي جمعت ملوك ورؤساء ووزراء من 57 دولة، بعد 35 يوما من حرب الإبادة، التي يشنها الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة. وصدر عن القمة بيان ختامي مكون من 32 بندا، تتصدر فقراته العاملة، بعد ديباجة طويلة، المصطلحات: تدعو وتدين وترفض وتؤكد وتطالب وتشجب، لكن البيان خلا من أي بند عملي يقول بأننا بعد انفضاض المؤتمر سنقوم وسنعمل وسنقطع وسنوقف وسنفرض وسنحدد وسنجبر وسنحاسب وسنعاقب.

إذن البيان في مجمله هبط إلى الدرك الأسفل، وخلا من أي أسنان، وأسدل الستار على البيان والقمة، من دون أي اهتمام أو متابعة دولية أو محلية، بسبب هذا الأداء المخجل الذي قلب رأس القمة إلى القاع. انفض الاجتماع وعاد أصحاب السعادة والفخامة والجلالة إلى عروشهم، تاركين الشرح المفصل لسيادة الأمين العام أحمد أبو الغيط، بسبب طلاقة في لسانه وشعبية عالية في العالم العربي، حصدها منذ وعد بتكسير أرجل الفلسطينيين عام 2007.
قبل انعقاد القمة العربية وقبل الدمج مع القمة الإسلامية، طرحت مجموعة من وزراء خارجية العراق والجزائر وتونس وسوريا ولبنان وقطر والكويت واليمن وعُمان وليبيا، أن تعتمد القمة العربية مجموعة محددة من الخطوات العملية: سحب السفراء وقطع العلاقات أو تجميدها، وقف التعاملات التجارية والأمنية، وقف التطبيع ما مضى منه وما هو آت، وإغلاق الأجواء أمام طيران الكيان، ثم التلويح فقط بسلاح النفط. اصطفت الدول المطبعة والذاهبة إلى التطبيع، المغرب والإمارات والبحرين والسعودية والأردن ومصر والسودان وجيبوتي وأفشلت هذا الاقتراح. بينما وقفت السلطة الفلسطينية العتيدة على الحياد، وكأن الأمر لا يعنيها. فشل اجتماع وزراء الخارجية العرب، وكان هناك تخوف من أن تنفض القمة العربية، من دون بيان ختامي وتكون النتيجة فضيحة مدوية وإهانة للبلد المضيف، لذلك جاءت التخريجة السهلة بدمج القمتين العربية والإسلامية، كي يخرج بيان ذو سقف منخفض جدا بحجة أن هذا ما تمكن ممثلو 57 دولة من الاتفاق عليه، إذ أن القاعدة تقول كلما زاد المشاركون في أي اجتماع يصبح التوافق صعبا، إلا بالحدود الدنيا. وهذا ما حدث.

بند فتح المعبر

دعا البند السادس في البيان الختامي إلى كسر الحصار وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية بشكل فوري، ثم تبعه البند السابع الذي ينقضه تماما وذلك بتفويض مصر أن تعمل بكل إمكانياتها لإبقاء المعبر مفتوحا وإدخال المساعدات إلى القطاع «بشكل فوري ومستدام وكافٍ». ولا نعرف هل الأمر سيكون متروكا لمصر وحدها، أم أن هناك عملية جماعية لكسر الحصار تقوم بها وتشرف عليها وتنفذها 57 دولة؟ ولو كانت مصر قادرة على إبقاء معبر رفح مفتوحا، لربما لم تصل الأمور إلى هذا المستوى من الكارثة الإنسانية، ثم من قال إن مصر لديها الإرادة أصلا لإبقاء المعبر مفتوحا، وهل يستطيع أحد أن يمنع دولة من ممارسة سيادتها على أراضيها؟ وهل أغلق المعبر خلال حرب 2008-2009 أيام الرئيس حسني مبارك؟ وهل أغلق أثناء حرب 2012 أيام الرئيس محمد مرسي؟ إذن بند كسر الحصار وفرض دخول القوافل متروك لمصر، ومصر تحيل الأمر إلى الكيان الصهيوني نفسه، وهو الذي يقرر في النهاية متى يفتح المعبر وماذا يدخل إلى القطاع.

تشخيص صحيح وعلاج غائب

الغريب في البيان أن كل المتكلمين قالوا كلاما صحيحا وشخصوا العلة بتفاصيل ممتازة ووضعوا حججا سليمة وقوية. فهذه ليست حربا للدفاع عن النفس، وحمّلوا إسرائيل المسؤولية، وعباس تجرأ وسماها حرب إبادة، وطالب بحماية دولية، ثم هدد بتقديم المسؤولين إلى محكمة الجنايات الدولية، ولو ذهبوا لآخر العالم (تهديد خطير امتثل له كريم خان على الفور)، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طالب بالوقف الفوري للعمليات العسكرية، وأمير قطر الشيخ تميم قال في كلمته، إن «المجتمع الدولي يعامل إسرائيل على أنها فوق القانون ولا يمكن أن يمر قصــف المستشفيات مرور الكرام»، وأعرب عن أمله في التوصل إلى هدنة إنسانية تجنب قطاع غزة كارثة أكبر. العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اعتبر أن غزة تتعرض لحرب «بشعة» يجب أن تتوقف فورا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دعا إلى الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة بلا قيد أو شرط، ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صمت الدول الغربية حيال المجازر المستمرة في فلسطين بـ«العار»، مؤكدا أن الذين يلتزمون الصمت حيال الظلم هم شركاء مع الظالمين في سفك الدماء بقدر المساواة. أما الرئيس الإيراني فأخذ نبرة أعلى داعيا إلى تصنيف الجيش الإسرائيلي «منظمة إرهابية» ثم دعا إلى مقاومة إسرائيل، وأضاف مرددا كلمة المرشد الأعلى خامنئي «نحن نقبل أيادي حماس لمقاومة إسرائيل». بشار الأسد طالب فقط بوقف المسارات السياسية مع إسرائيل، وعودتها يجب أن تكون مشروطة بوقف الإجرام ضد كل الفلسطينيين. الجزائر خفضت تمثيلها في المؤتمر بحجة أنها لا تريد أن تكون شريكا في بيان سقفه الأعلى الشجب والإدانة والمطالبة بكسر الحصار. ماذا يريد أهل غزة أكثر من هذا؟ لقد طالب ممثلو 57 دولة مجلس الأمن «باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية». فالمسألة تتعلق بقليل من الوقت يا أهل غزة. اصبروا قليلا. وادفعوا ضريبة أخرى من دمائكم حتى يأخذ مجلس الأمن قرارا حاسما ملزما يفرض وقف العدوان. فوراء هذا الطلب 57 دولة يزيد عدد سكانها عن المليار إنسان فلا تستخفوا بهم، ثم إن اللجنة التي انبثقت عن المؤتمر والمكونة من ثمانية وزراء خارجية من المملكة العربية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، سيبدأون تحركهم بزيارات عديدة للعواصم المؤثرة لإقناعهم بضرورة وقف إطلاق النار.. عليكم أن تصبروا قليلا يا أهل غزة فالتحرك العربي الإسلامي سيبدأ قريبا ولا نعرف هل سيبقى بشر أحياء في غزة عندما تنتهي جولة الوفد الرفيع بإعلان وقف إطلاق النار، هذا إذا كانت هناك جولة.
القمة تنفض ويعود الملوك والرؤساء والوزراء إلى عواصمهم، وفي غزة تحاصر المستشفيات وتقصف. الحاضنات تتوقف عن العمل والمواليد الخدج يقضون بهدوء. مرضى غسيل الكلى يقضون. ذوو الجروح البليغة في غرف العناية الفائقة يقضون بعد توقف الأجهزة. القصف متواصل آلاف تحت الركام. المحتمون بالمستشفيات ينامون بين الأموات. الموت جوعا وعطشا آتٍ، والأوبئة القاتلة ستحصد من تبقى من الأحياء.

عودة الهدوء إلى الشارع العربي

في الأيام والأسابيع الأولى للحرب انطلقت مظاهرات كبرى في كثير من البلدان العربية من المغرب إلى الكويت، ومن العراق ولبنان إلى البحرين واليمن ومن مصر والأردن إلى موريتانيا وتونس والجزائر. ومع استمرار المجازر، غابت المظاهرات الكبرى وبدأ الشارع العربي يتعود على الأحداث، ويلجأ لوسائل التواصل الاجتماعي ليفرغ شحنات غضبه وقهره، تراجعت المظاهرات، مع استثناءات خفيفة في الأردن وتونس. بعض المظاهرات الصغيرة تظهر مرة في مدينة ثانية غير العاصمة أو تسمع أهزوجة تصدح من مكبر الصوت أمام نحو مئة متظاهر على دوّار المنارة في رام الله. الشارع العربي أدى واجبه. عاد إلى الهدوء ليراقب الأخبار ويفتح يديه بالدعاء ويتصفح مواقع التواصل. لكن المظاهرات الكبرى ما زالت تنطلق في باريس ولندن وبرلين وواشنطن ونيويورك وجاكرتا وإسلام أباد، وساو باولو وبوغوتا. منظمات يهودية تطلق حناجرها ضد حرب الإبادة مثل «أصوات يهودية للسلام»، و«حركة السلام الآن»، وحركة «ليس باسمنا» وتصعد احتجاجاتها وتحتل مبنى الكونغرس، ومحطة القطارات الكبرى في نيويورك وتمثال الحرية. رشيدة طليب تقف شامخة أمام 234 عضوا في الكونغرس طالبوا بإسكاتها. الأصوات الشريفة تتصاعد. كورنيل ويست وبيرني ساندرز يهزّان المؤسسة الأمريكية بصوتيهما القويين وحججهما الدامغة. التغيّر الكبير بدأ في أمريكا اللاتينية وسيصل إلى الاتحاد الأوروبي كله ثم يدق أبواب البيت الأبيض، كما حدث مع نظام الأبرثهايد في جنوب افريقيا.
غزة تحرك الكون.. غزة أصبحت مركز الكون.. إنها معركة بين الخير والشر والحق والباطل والعدالة والظلم والنور والظلام والحرية والاستعمار. فهل من شك لمن ستكون الغلبة في النهاية؟

  • عن القدس العربي

 

 

 

مشاركة