logo
هنا سليمان تروي قصة البحث عن الأرشيف الفلسطيني الضائع
الإثنين 19/03/2018

بيروت – شبابيك – أشرف سهلي

حين يبحث الفلسطيني عن أجزاء أرشيفه لتأريخ شيء من مجريات تاريخه في فترة ما بعد النكبة؛ تتقاطر في أذهان الدارسين الأسئلة المشروعة حول مصير الأراشيف التي يفترض أن تـكون الثورة الفلسطينية احتفظت بشيء منها لسد الحاجة للمعرفة.

 دفعت هذه الحالة البعض لكتابة مقالات هنا وهناك في الفترة الماضية بحـثا عن إجابات حول كيفية الوصول إلى صورة الماضي؛ وخرج من رحم هذه الكتابات من قرر الاستفسار بطريقة أكثر حرفية عن كيفية جمع المتناثر من الوثائق.

هنا سليمان وأحمد باركلي باحثان شابان قدّما بعض الاجابات في معرضهما “بحر من حكايات؛ أسفار الأرشيف الفلسطيني” الذي اقيم في دار النمر للفن والثقافة في بيروت، ويمثل ثمرة جهد طويل بذلاه لتجميع بعض المفقود من المؤرشف.

لتسليط الضوء على التجربة أجرى موقع “شبابيك” مقابلة خاصة مع هنا سليمان للحديث عن وضع الأرشيف الفلسطيني والوقوف على الروايات حول مصيره والمخاطر المحدقة به على شتى الاصعدة وإمكانيات استرجاع أجزاء منه.

منصة عرض

 

بداية لو يتم تقديم تـوطئة حول فكرة البحث عن الأرشيف الفلسطيني.

ـ بدأت الفكرة مع أرشيف مركز الأبحاث الذي كان في بيروت منذ تأسيس منظمة التحرير حتى العام 1982، ونهب الاحتلال محتوياته ومكتبته ورحلهما إلى الجامعة العبرية في القدس، وفي صفقة تبادل الأسرى عام 1983 تمت استعادة الأرشيف ونقله  إلى الجزائر ـ هناك من يقول إن الأرشيف خُرب أو احترق أو لم يتم إرجاعه أصلا، وهناك من يقول إنه لايزال في الصحراء الجزائرية، ومن هنا بدأت الأسئلة حول كيفية الوصول إليه ـ صبري جريس وسميح شبيب لديهما روايتان حول ذهابهما إلى صحراء الجزائر ورؤيتهما للأرشيف، لكن لا أحد يعلم ماذا حصل بأرشيف السينما والصور وأراشيف القيادات والأحزاب.

 الجزآن الآخران للأرشيف من وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) ومؤسسة السينما الفلسطينية التي هرب العديد من بكراتها إلى قبرص ومنها إلى إيطاليا في العام 1977.

المعرض مع أحمد باركلي يلاحق تلك الأراشيف إضافة لما يحتويه الأرشيف الوطني الفلسطيني في رام الله، ويختزن الأخير كثيرا من وثائق فلسطين التاريخية إبان الفترة العثمانية ويوثق الدولة الفلسطينية ومؤسساتها بعد اتفاق أوسلو، غير أنه يتجاهل الفترة الممتدة من الثلاثينيات إلى 1994، السؤال: لماذا لا يحتوي ارشيف السلطة أي وثائق من تجربة الفلسطينيين والفصائل ومنظمة التحرير في فترة الثورة.

منذ فترة نشرت الصحافة الإسرائيلية أن الأرشيف مازال موجودا لدى الاحتلال، ما مدى تطابق ذلك مع تقديمكِ؟

ـ بالتأكيد هم نسخوا الأرشيف وهو موجود في الجامعة العبرية بالقدس، وجزء كبير من هذا الأرشيف موجود بصفة “أملاك غائبين” بالطريقة ذاتها التي استولى بها الاحتلال على الأراضي والبيوت في الـ48، وهناك كتب ووثائق في الأرشيف الإسرائيلي مكتوب عليها أملاك الغائبين مأخوذة من أراضي الـ48 ومن جنوب لبنان ومن الأرشيف المسروق من بيروت.

الشق المتعلق بأرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني ليس لدينا خبر يقين عنه ولكن حسب قول سميح شبيب وصبري جريس هو موجود ورأياه في الجزائر، وبالتالي الموجود في الأرشيف الإسرائيلي نسخة عنه، ولا ندري إن كان المعاد كل الارشيف  أو جزء منه فقط حيث لم يقارن أحد بين الموجود قبل وبعد سرقة المركز.

ما هي المساهمة التي قدمها فلسطينيو الـ48 في هذا السياق؟

ـ الذين نعرفهم هم الأشخاص والجهات التي تساعد، حيث يمكنهم العودة للأرشيف الإسرائيلي وإخراج ما يمكن إخراجه، وهم من قالوا إن الأرشيف الفلسطيني منسوخ لدى الاحتلال، لكن في ظل الوضع العام ومحاولات الاحتلال طمس الهوية الفلسطينية ومحدودية إمكانيات العمل المسموح بها أظن أن تلك المجموعات تعتبر قليلة العدد وصغيرة الحجم، دون إنكار دور بعضها في توثيق ما جرى بالقرى الفلسطينية المهجرة عام 1948.

  • ألا يفترض حدوث تعاون معهم لاسترداد النسخة الموجودة لدى الاحتلال؟

ـ نعم بالإمكان أن نتعاون مع أخوتنا في أراضي الـ48 لاسترجاع شيء من الأرشيف المنهوب لدى الاحتلال، لكن يجب أن نعلم أن السؤال ليس ماذا نريد من المحتل، فلا يفترض أن نأخذ نسخة من الأرشيف الفلسطيني لدى الاحتلال، جزء من النضال استعادة الأرشيف كاملا، والأسهل أن نقول لقياداتنا أن هناك نسخة من أرشيفنا تتآكل في صحراء الجزائر ويجب أن نسترجعها، ولا أرى أن لدى السلطة الفلسطينية أي عائق أو عقبة لاستعادته، القرار بيدها ويجب أن نضغط ونناضل من أجل ذلك، كما يمكن الاستفادة من مؤسسة الدراسات الفلسطينية والجامعات والأكاديميات العربية والفلسطينية لاستعادة الأرشيف ورقمنته لاحقا.

قيل إن نسخة من أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني نقلت إلى العراق قبل احتلاله، ألم يتم تأريخ أو جرد شيء منها قبل الحرب على العراق؟

ـ هذا ما يقوله فيصل حوراني عن وجود نسخة لدى العراق، ولكن لا يبدو أن شيئا من تلك النسخة تم نشرها أو جردها، وهناك روايات عن نقل النسخة إلى سفارة للعراق وسفارة لألمانيا الغربية، وقيل إن المنقول هي نسخ مايكرو فيلم ومايكرو فيش كما قالت إحدى الروايات إن نسخة نقلت إلى مؤسسة الدراسات الفلسطينية هنا في بيروت وللأسف لم ير أحد شيئا من هذه النسخ بعد.

ما هو دور الجزائر في حفظ الأرشيف الفلسطيني؟

ـ الثكنة التي كان يوجد فيها جيش التحرير الفلسطيني يوجد فيها موقع الأرشيف الحالي وهو ما يجعل الموضوع أمنيا عسكريا إضافة لكونه سياسيا ويقال إن الأرشيف وضع في الصحراء الجزائرية على الحدود مع تونس، ثم نقل إلى تبسة في العام 1985 لحمايته من خطر قصف إسرائيلي كالذي تعرض له مقر منظمة التحرير في حمامات الشط.

هناك روايات تؤكد أن الدولة الجزائرية كانت تحمي الأرشيف الفلسطيني من الفلسطينيين أنفسهم خشية ضياعه، فقد ورد أن الرئيس ياسر عرفات كان يريد إهداء الأرشيف إلى الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، والجزائريون قالوا إنه لن يسمح بنقل الأرشيف إلا بخطة واضحة، كما ذكرت إحدى الروايات أن الدولة الجزائرية طرحت في العام 1983 خطة لإعادة إحياء مركز الأبحاث في الجزائر غير أن الفلسطينيين لم يتفقوا.

ماذا عن جرد الأرشيف الموجود في الجزائر؟

ـ لم يتم جرد الأرشيف بعد الحديث عن استعادته إلى الجزائر في 1983، لكن في أوائل التسعينيات أجريت جردة غير مفصلة له بلغ عدد صفحاتها 124 تتحدث كل منها عن علبة من علب الأرشيف الفلسطيني وما تحتويه.

 

هل تتابع إدارة الأرشيف الوطني الفلسطيني في رام الله عملية استرجاع دولية للأرشيف الفلسطيني؟

ـ القائمون على أرشيف السلطة في رام الله كانوا واضحين وأكدوا لنا حين كنا نقوم بالمقابلات للمعرض في فلسطين أن أرشيفهم هو أرشيف الدولة وليس أرشيف الثورة، هذا أخطر ما في الموضوع طبعا حيث أن الأرشيف في رام الله يشطب المرحلة الممتدة من الثلاثينيات وصولا إلى العام 1994، وقد يصير هذا الأرشيف بعد عدة سنوات نقطة الانطلاق للباحثين وهنا تكمن الخطورة.

أرشيف السلطة مضحك، فهو يتيح وثائق فلسطين العثمانية والمساجد الأموية وصولا إلى بعض فترات الانتداب البريطاني ثم يقفز إلى ما بعد أوسلو ويتحدث عن مؤسسات الدولة الفلسطينية وكأن شيئا لم يكن أبدا خلال تلك الفترة الطويلة.

والمشكلة أن إدارة الأرشيف الوطني تربط أرشيفها بأرشيف منظمة التحرير تارة وتفصله تارة أخرى، وبعدها تقول إن بإمكانها المساعدة في جمعه دون الاحتفاظ به بدعوى أنه لا يحق لها الاحتفاظ بأرشيف الثورة الفلسطينية.

سمعنا عن محاولات أخرى لاسترجاع الأرشيف؟

ـ هناك مجموعة أكاديميين فلسطينيين قدمت طلبا للأرشيف الوطني البريطاني لاسترجاع الأرشيف الفلسطيني باعتباره معرضا للخطر، غير أن الجواب كان بأنه أرشيف معرض للإهمال وليس للخطر وفي هذه الحالة لا يمكن تقديم الدعم للمجموعة.

برأيكِ؛ أين يمكن الاحتفاظ بالأرشيف الفلسطيني في حال استعادته وما الخطوة الأولى بعد ذلك؟

ـ ليس بالضرورة أن يحتفظ بالأرشيف لدى السلطة بصفتها سلطة، بالإمكان وضعه في جامعة بيرزيت أو في المتحف الفلسطيني. أما الهدف الأول في حال استرجاع الأرشيف فهو إعادة أرشفته بطريقة “المكننة” وهي الأرشفة الإلكترونية التي تحفظه دائما، لكن الخطوة الأهم الآن هي استرجاعه!.

هل تساعد المستندات التي تحتفظ بها العائلات الفلسطينية في تجميع الأرشيف؟

ـ هي حتما تساعد فهذا جزء من الأرشيف ومن واجب كل عائلة الاحتفاظ به لأنه يدعم حق العودة أيضا، وغالبا الأوراق الثبوتية لدى العائلات المهجرة عن فلسطين أو في داخلها تم نسخها لدى لجنة التوثيق في الـ48، أنا لست مع فكرة تجميع كل الأراشيف في مكان واحد، يجب على كل عائلة الاحتفاظ بأرشيفها لأننا لا يفترض أن نثق بأن الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ستحفظ أرشيفنا وتحصّل حقنا.

ماذا عن مصداقية التاريخ الشفوي في التوثيق والأرشفة؟

ـ التاريخ الشفوي لا يدعي أنه سيطرح الحقيقة الكاملة التي وقعت في العام 1948، بل يطرح قصة حياة اللاجئ الذي هجر من قريته، فهو لا يعالج حقيقة تاريخية بل قصة شخصية وربما نعتقد أن الأرشيف المكتوب موثوق والمحكي غير موثوق، لكن الوثيقة المكتوبة أكثر عرضة للسطو والنهب والتحريف والقص واللصق أما السيرة المحكية فلديها الحرية أكثر للعرض.

في كثير من روايات التاريخ الشفوي يروي الأشخاص قصصا غير حقيقية تاريخيا، هذه التفاصيل غير مهمة والأهم القدرة على الوصول إلى سيرة ذاتية شخصية أما الأرشيف المكتوب فلا يوثق تجارب النساء والرجال، بل تتمثل مهمته في توثيق التاريخ الشمولي السياسي، ليكمل التاريخ الشفوي الدور ويسمعنا أصواتا لم نسمعها في المكتوب.

هل يهمنا توثيق التاريخ الشفوي الحاضر للاجئين الفلسطينيين أم أن المسألة محصورة بالأرشيف السابق؟

ـ حتما يهمنا التوثيق لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين حاليا، فالوثيقة لا تصير أرشيفا إلا مع الوقت.

على سبيل المثال بدأ توثيق التاريخ الشفوي السوري ويوجد عدد من فلسطينيي مخيم اليرموك في سوريا لهم سيرهم الذاتية فيه، لا أعلم مدى شموليتها، وما أريد قوله إن الفكرة تقوم على ضرورة ملاحقة التوثيق الحاضر بأسرع وقت ممكن قبل أن ينسى صاحب السيرة الذاتية التفاصيل، وبطبيعة الحال الوثيقتان لهما قيمة مهمة سواء القديمة أو الجديدة.

في الوقت الذي نبحث فيه عن أرشيف ضائع أو مُضيع يصنع الاحتلال الإسرائيلي تاريخا مزعوما، ما هي الخطوات الممكنة لمواجهة ذلك؟

ـ جزء من العمل السياسي هو ثقافي بطبيعته، لذلك علينا تجميع أجزاء من الأرشيف الخاص بنا والإنتاج المباشر له كل حسب تخصصه في الصحافة والتاريخ والفن والرياضة وغيرها وهذا عمل يخدم القضية.




 *هنا سليمان: باحثة فلسطينية في التاريخ وتعمل في   مجال الأرشيف والمحفوظات والمعارف الحرّة. يركّز   عملها على الأراشيف المتصّلة بالتاريخ الفلسطيني   الحديث والدور التي تلعبه في بناء ونقض السرديّات   المختلفة عن فلسطين. أعدت مع زميلها أحمد باركلي  معرض “بحر من حكايات.. أسفار الأرشيف الفلسطيني” في بيروت والذي يتساءل عن مآلات الأرشيف   الفلسطيني. طالبة دكتوراه في التاريخ في جامعة   كامبردج في بريطانيا ويركز بحثها على “بيداغوجيا   النهضة في مناهج التعليم العالي في جامعات بيروت   ودمشق بين عامي ١٨٨٦- ١٩٥٢ 


 

مشاركة